السبت، 2 أكتوبر 2010

لماذا الفتنة الطائفية الأن ؟

1_612754_1_34 كتبت عن كاميليا شحاتة إبان أزمتها التى ملأت الدنيا ضجيجا، ودافعت عن حقها في اختيار معتقدها، وحقها في اختيار المكان الذي تعيش فيه، فتلك أبسط حقوق الإنسان التى تعارفنا عليها، والتى أقرها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

لكن بعد ذلك أخذت القضية بعدا طائفية، وتدخل المتعصبين والجهلة والمهاوييس دينيا وبدأت حرب الأديان، وكأن تحول كاميليا من دين لأخر يهين دينها الأصلي، وانجر الطرفان لصراعات تبدو سخيفة في ظل الأزمات التى تعتصر البلاد: غلاء الأسعار، مشروع التوريث، انتخابات مجلس شعب على وشك التزوير.

وخرج السلفيون في مظاهرات مطالبين بحقها في اختيار دينها، رغم تحريمهم للمظاهرات من ذي قبل، ورغم إنكارهم لحرية الاعتقاد، إلا أنهم استغلوا القضية أسوأ استغلال للخروج من الشرنقة التى حبسهم فيها النظام طيلة الثلاثين عاما الماضية. فراحوا ينفثون غضبهم ضد الكنيسة وضد البابا وضد المسيحيين، وكأن سبب البلاء الذي يعيشون فيه هم المسيحيون والكنيسة والبابا، على أنني أزعم أن السبب الرئيس وراء خروجهم، ليس كاميليا بقدر ماهو هروب من واقع سيء لا يستطيعون دفعه، ولا يمتلكون محاربته.

فالسلفيون مقهورون شأنهم شأن باقى المصريين، لكنهم اختاروا منذ أمد بعيد الانفصام عن المجتمع والعيش داخل شرنقة الأخرة، منتظرين وعد الله لهم بالتمكين، لأنهم عباد الله المخلصون في الأرض، ولما تأخر التمكين، وازدادت الدنيا بلاءً، ولم يجدوا مفرا من الخروج من شرنقة الأخرة، خرجوا بزعم الدفاع عن كاميليا، ولو أتيح لي ولغيري شق صدورهم، لوجدنا بداخل كل منهم مارد يصرخ من الغلاء، والتزوير، والتعذيب، والقمع، لكن شيوخه أقنعوه بأن الصبر على الحاكم إيمان، والسكوت على الظلم فقه، إلا أن ذات الشيخ أقنعه بأن كراهية المسيحي هى ولاء لله، وحب المسيحي براءً من الله ورسوله، وأن معاملة المسيحي كإنسان هى من سمات بني علمان ( العلمانيون ).

لذلك قرر السلفيون تجنب الصدام مع الطرف الأقوى والقادر على قمعهم، وهو ذات الطرف المتسبب في البلاء؛ إلى الطرف الأضعف أمام الأكثرية العددية لهم، وعلى سبيل المثال اعترض السلفيون على رفض الأنبا شنودة على حكم المحكمة الإدارية العليا بالسماح للأقباط بالزواج الثانى، وبدا وكأنهم يدافعون عن الزواج المدني، إلا أنهم لم يعلقوا ولم ينبسوا بكلمة على حكم مدينتي. هم يهربون من الدنيا إلى الأخرة، ومن مواجهة الدولة إلى مواجهة الكنيسة.

أما الجانب الأخر، والذي بدأ المظاهرات في الكنيسة بالمنيا، ثم نقلها إلى الكاتدرائية بالعباسية، فهو دوما يشعر بالاضطهاد من قبل الدولة، وغذى ذلك الشعور بعض رجال الدين الطائفيين، وأسهم في اشتعال جذوة النار المتأججة في صدورهم بعض أقباط المهجر، الذين يصرخون من الخارج ويهللون، ويغذون إحساس الاضطهاد لدى الأقباط.

لايمكن بحال من الأحوال إنكار الظلم الواقع على الأقباط، فهم يعانون من عدة قضايا علاجها ليس لدى الأغلبية بقدر مالدى الدولة، ولأن الدولة تخلت عن دورها في احتضان الأقباط، فقد انكفأوا على أنفسهم، وشعروا بأنهم وحدهم، ودعم ذلك بقوة الاجراءات التى اتخذها الرئيس المؤمن، حين أطلق يد شباب الجماعات الإسلامية تعيث في مصر فسادا، وبعد رحيل الرئيس المؤمن، جاء الرئيس مبارك بوعود براقة لم ينفذ منها شيئا، تزامن ذلك مع اعتلاء رجل دين له تطلعات سياسية سدة الكنيسة، فساق الأقباط إلى حلقة ضيقة في وطن رحب ( الكنيسة ) .. فأضحى الأقباط يرون البابا الزعيم الحقيقي لهم، فهو الذي يطالب بحقوقهم، وهو الذي يتصدى للدولة حين تجور عليهم، وبدأوا ينسحبوا رويدا رويدا من الحياة العامة، لاسيما أن الزعيم الجديد، ليس زعيما سياسيا بقدر ماهو زعيما دينيا له تطلعات سياسية.

ولأن الزعيم الجديد يملك كاريزما خاصة، فقد وضع الأقباط تحت سيطرته وباتوا يتحركون بالأمر، فمبايعة الوريث تصدر بالأمر من الكنيسة، وانتخاب نواب الوطني يأتى بالأمر من الكنيسة، لذلك فقد المسيحي دوره الوطني في المشاركة، وأصبح يشارك طوعا لأمر الكنيسة، لا اعتقادا منه بأن ذلك واجبه الوطني، وأن أرض مصر هى أرضه كما هى أرض المسلم واليهودي والملحد .

ومع غياب مشروع قومي يصهر المسيحي والمسلم للدفاع عن هذا المشروع، والتضحية من أجل نجاحه، ساهم ذلك بقوة في البحث عن صراعات جانبية، تهدأ من النار المتأججة داخل صدر المسيحي الذي يشعر بتخلى الدولة عنه، والمسلم الذي يشعر بالذل في بلده. ولم يكن هناك ميدان أخصب من ميدان الأديان والفتن الطائفية..

فالمسلم اختار التخلى عن دوره في النضال من أجل حريته، وذهب بعيدا يبحث عن الجنة، والأخرة. والمسيحي انكفأ على كنيسته بعدما تخلت عنه الدولة، وتركته للقيادة الروحية.. فكان لابد من شيء يفرغ كلّ من الطرفين غضبه فيه.. فكان ميدان الفتنة الطائفية هو الأقرب والأسهل، ويدعمه النظام بقوة.


Share/Bookmark

3 التعليقات:

غير معرف يقول...

تخليل واقعى سليم ...تسلم الايادى يابوالعزم

محمد أبو العزم يقول...

ربنا يخليك ياجميل .. شكرا على تعليقك

Wohnungsräumung يقول...

شكرا لكم
رائعه جدا جدا

إرسال تعليق