الجمعة، 23 سبتمبر 2011

مرثية عاشق

366986 غريبة هى الحياة، تفتح لنا ذراعيها وتلوح لنا بأصابعها ترغبنا فيها، وماإن نقبل عليها حتى تعانقنا، ثم يستحيل عناقها ضغطا بقوة، فتتصارع بداخلنا الأحلام والأمال.

فتحت لي الدنيا ذراعيها، وكنت أخشاها، فاقتربتُ على مهل، وأقبلتُ عليها حتى مسست باطن كفيها، فلسعنى عسلها، فاقتربت، واقتربت حتى انزويت فى داخلها، وتلاشيت فيها.

كما عرف آدم حواء عرفتها، ربما عرفت قبلها كثيرات، لكنها بدء الخليقة فى سفر تكويني، عرفت الدنيا من عينيها، خبرتُ الحياة من لمسة يديها، سبرت أغوار الحقيقة حين مست شفتاي شفتيها.

عمّدتني بحبها، مرسلة مائها المقدس تغسلني من ذنوبي وخطاياي. تطهرت من كل النساء، وانزويت فى دير حبيبتى، أصلى فى محرابها، أدعوها كى تغفر لي أن عرفت غيرها، أو رأيت غيرها.

تملكتني، وملكتني، فصرت بين يديها كالميت بين يدي مغسله. أحببتها. عشقتها. تمنيت أن تتلاشى الدنيا وتصبح عدماً ولايبقى أمامي إلا صورتها.

كان الحب غريباً علي، لم أؤمن به يوماً، بل آمنت بأجساد النساء، وكفرت بقلوبهن وعقولهن، حتى عرفتني، أو ربما اختارتني من بين أولئك الذين تعلقوا بها.

فى البدء كانت هى، وكانت هى تملك قلوباً ولايملكها قلب، مخلصة كانت لحبٍ قديم. أسيرةُ ظلت فى طوق حبها، لا أحد يقترب إلا وهوى فى بئر سحيق من الألام.

اقتربت منها، كنت صديقها، بل ربما كنت أخاً لها، حتى أفزعتني وقالت: ستحبني يوماً!

لم أدرك ساعتها من أين تأتى تلك المرأة بثقتها فى نفسها؟ كيف استطاعت أن تضرب سياجاً من الجفاء تمزق كل مقترب، وتجرح كل عابث يرنو إلى المرور إلى قلبها.

مرت الأيام، وأنا أحفر بئر عميق عما قليل سيمسى مثوى عاشق جريح ..

أحببتها، وصارحتها على الفور، لم تهتز، كانت قوية، واثقة، ضحكتْ، وجلجلت ضحكتها فى السماء حتى انتبهت إليها الملائكة ..

مرت أيام وهى لاتتغير، هى لاتتغير، بينما الأخرون تلفهم الأيام بجراحات تثخنهم فيتبدلون ويتغيرون. حتى يوم كانت تكلمني باكية، ويعلو صوت بكائها ويتمزق قلبي، وأصمت منصتاً لبكائها، عشقت حتى بكائها أجنون هذا ؟

بينما يعلو نشيجها، باغتتنى وصمتت، ثم قالت: بحبك

تولانى الصمت، واعترتني حال بِتُ فيها أقرب إلى المجاذيب، لاصوت، ولا حركة، لم أستطع أن أنبس بكلمة واحدة.

تمر أوقاتنا الحلوة كومضة خاطفة، كاحتراق شهاب فى ثوانٍ سرعان مايتلاشى، هكذا كانت أيامي معها. فرحة وسعادة، دفء وأمان، هل يحس الرجل بأمان فى حضن إمرأة ؟.

بددت العالم من حولي، فلم يبق إلاها، وتتابعت الأيام، وتوالت السعادات، وتواترت دفقات الحب علي. عرفت الحب، وكنت كافراً به، هى من علمتنى كيف أحب.

غير أن قدرنا فى هذه الحياة أن تصفعنا بحزن تلو حزن حتى نفيق من لسعة عسلها، هل كتب علينا الحزن ؟ أم أننا نهوى الحزن؟ أم أن الحزن يقومنا؟

افترقنا، نعم افترقنا، هكذا مرة واحدة، كنت أعرف أنها ليست لي، ولكنى لم أصدق يوماً انها ستكون هناك فى حضن أخر، حتى حانت لحظة خمدت نار حبها، وانطفأ وهج الشوق فى عينيها، فلم تكلمني، وظلت بعيدة. كنت أحس أن النهاية قد حانت، بيد إن المحتضر يُكذب الواقع ويتعلق بأهداب الحلم الجميل.

زادني بُعدها حيرة، فقررت أن أصارحها، سألتها: ماذا تريدين؟

قالت بصوت حزين: أن نفترق!

وكانت مشئيتها وإرادتها وافترقنا، وكان فراقنا أليماً، لم يكن الألم ألم الفراق وحده، لكنه ألم التجاهل والبُعد دون إحساس بعاشق تعلّق بسماء الحلم.

كل يوم أنتظر صوتها الدافئ فى الليل. أدرك أنه حلم يائس، وأنه لن يجئ، ومع ذلك أنتظرها كل ليلة، أنتظرها.

أفتقد صوتك، وضحكتك، وعينيكِ، ولمستك، أفتقدك.


Share/Bookmark

6 التعليقات:

Ibrahim Awwad يقول...

وما خلقنا إلا لنفترق

غير معرف يقول...

لا تكتمل قصص الحب إلا بالإفتراق
@BlueTercowas

محمد أبو العزم يقول...

تقريبا ياسومة ان كل قصص الحب لازم تنتهى بحزن وألم

ميادة يقول...

عارف انك كئيب بجد .. انا كنت شغاله ابتسام وانا بقرأ لحد ما وصلت للاخر اتنكدت ... يا حج محمد اكتبلنا تدوينة حب اخرها حب .. مش الحقيقة نكد والكتابة كمان نكد ... علي فكرة انا لسة قرياها النهاردة .... بجد جميله اوي .. احساسك عالي .. انا مش بجملك بس انت بتوصل احساس رائع للي بيقرأ ليك كأنه جوه الحكاية معاك ... قلمك مبدع كالعادة ... واطمع منك بالمزيد ... ابقي اسئل ... ميادة

محمد أبو العزم يقول...

حاضر ياميادة هكتب حاجة حب، وبعدين الكآبة كنز لايفنى ;p

أخبار - أهرام يقول...

مرثية عاشق

366986

إرسال تعليق