الجمعة، 20 يناير 2012

“أنا” و “أنا” !

" أَرى السماءَ هُنَاك في مُتَناوَل ِ الأَيدي.

ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ

طُفُولَة ٍ أُخرى . ولم أَحلُمْ بأني

كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيء واقعيُّ . كُنْتُ

أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً .....

وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في الفَلَك الأَخير ."

                                                                                      محمود درويش

فى وسط ذاك الركام الهائل من المشاغل التى تحدّق بي، كان لابد لي من أن ألتقي بي لأتبادل كلمات وأناقش أفكار طالما احتجت إليها، وطالما حيرتني.

جذبت نفسي بعيداً عن صخب المحيطين بي، وجلست معها فى غرفةٍ ضيقة تكسو جدرانها كتب كثيرة، بعضها ينبئ عن هوية متدين سلفي، وبعضها عن هوية كاتب يهوى الأدب والفلسفة.

أشعلت سيجارتي، وحدّقت فى وجهي وفى نفسي، بدت لي نفسي غريبة عليّ، شخص أخر غيري، شخص يرابض فى مكان غير جسدي، يبدو ثائراً راديكالياً فى أحيان، وإصلاحياً فى أحيان اخرى.

تأملتني مرة أخرى، وأمعنت النظر في فلم أحس نحوي بأية مشاعر قد تخامرني لأحبني.

لماذا تفعل ماتفعل؟

كان هذا السؤال الأكثر إلحاحاً من جانبي، وكان الجواب الأكثر هروباً وتفلتاً مني. لماذا أفعل ما أفعل، هل أبدو لي كما يراني بعض من يقربني. لا أرى نفسي كما يراني هم، وهم يلحون دائماً علي أنني أنا، ومع ذلك ففي جلستي مع نفسي لا أعرفني.

أبدو أقل ثورية، أقل عشقاً للأدب، أقل شغفاً بالموسيقى، أقل ولعاً بالكتابة، حتى أنني أكاد أظن أن ثمة مرض قد فتك بي حتى تبدلت نفسي، واستحالت أخرى.

لا شئ ثابت، تلك القاعدة الأساسية فى حواراتي معي، إلا أن الحقيقة الثابتة الوحيدة فى حواراتي معي دوماً هى كراهيتي للموت، كراهيتي لمفارقة الحياة، رغم أني لا أجد فيها مايبعث على البقاء فيها، بيد أني لم تستبد بي يوماً رغبة للفرار مني إلى حياة أخرى.

ربما السبب وراء ذلك غموض علاقتي مع الإله، فعلاقتي به مرتبكة ومتغيرة، تتبدل بصورة مضطردة، من بُعد إلى قرب بجنون، إلى فقدٍ لهوية الرب، إلى محاولة للبحث عن كنه الذات الغارقة فى السماوات، حتى تصل إلى درجة من العدائية تستحيل حباً صوفياً فى بعض الأوقات.

علاقتي المرتبكة ليست مع الله وحده، بل تكاد تكون كل علاقاتي تقريباً بمن حولي مشوبة بالارتباك والغموض، لا أعرف لماذا أتقرب من أناس لا أحب نفسي حين أكون معهم، ولا أعرف لماذا أبقى قريبُ من نساءٍ لا أحتاج إليهنّ ولا يحتاجون إليّ، كلانا يمثل دور العاشق سئ الحظ الذى يبحث عن صديق يعوّض نقص الحبيب.

أشارك بجدية فى مسرح منْ حولي متقمصاً دور الصديق والأخ فى مسرحيتهم السخيفة، أحس بخفة من حولي حين لانتقن أدوارنا، فحين تلتقى العيون ويحس كل منا بأننا لسنا بارعين فى أداء أدوارنا أشعر بانسحاقي داخلي، وبرغبة مُلحة فى تقديم قربان لمن كشف حقيقة دوري فى مسرحه.

وذاك الشعور لا أفهمه، إذا كانت لدي بالفعل رغبة فى الانزواء بعيداً عن هذا الصديق، لِما أحزن حين يوشك رحيله\ رحيلها.

فترات التحول في حياتي كثيرة، ومن نقيض إلى نقيض، ربما بتدخل إلهيّ، أو بهوى داخلي للتقلب داخل رقعة الحياة بإرادة تبدو إرادتي.

أفعل أشياء لأحس بمشئيتي وإرادتي، أحب حين أكون خفيفاً لاشئ يعجبني، أكتب، أقرأ، أحب، أكره، أركض، أقف، أمشى، أهرول إلى إمرأة لاتعجبني، أقبل إمرأة تحبني ولا أحبها، أفعل أشياءً كثيرة لأحس بخفة الأشياء وثقل الهواجس.

ضحكتْ نفسي، وقالت ألا تكف عن حب درويش، ألا تكف عن محاكاته فى أشعاره، فقلت لها سخرتُ من هوسي بهِ لكني أحس بإرادتي ومشيئتي حين أقرأه، أو أحاكيه، يشعرني بذاتي، بحقيقة أن ثمة أناس يستحقون الحياة، أو أن ثمة أشياء تستحق أن نحيا من أجلها.

تململت من طول الوقت، فلم أعتد الحوار معها، خامرني ضجر، فقلت لها: هل فهمتِ شيئاً مما قلتهُ لكِ، تبسمتْ وقالت: إن فهمنا أنفسنا قتلتنا الحقيقة، وداعاً.

ونهضت من مكانها، وألقت سيجارتها على الأرض، ورحلت.


Share/Bookmark

2 التعليقات:

mar3e يقول...

رائع - نحتاج المزيد من حديثك مع النفس

محمد أبو العزم يقول...

أشكرك ياصديقي :-)
أبو العزم

إرسال تعليق