الاثنين، 23 يوليو 2012

ثورة يوليو وثورة يناير.. تكامل أم اختلاف؟

nasser8هل الانخراط فى مناقشة الماضى مجدية؟

سؤال طرحته على نفسي بعدما كتبت بعض السطور في مقال عن ثورة يوليو بما لها وبما عليها.

وأظن أننا سننقسم ثلاث فرق، فرقة مع وفرقة ضد وفرقة تحاول الوقوف على الخط الفاصل بين الانتماء والرفض.

أنا لست من جيل يوليو بطبيعة الحال، لكني ممن تأثروا بما فعلته ثورة يوليو، فمن منطلق المعادين لثورة يوليو، أو بتعبير أدق انقلاب يوليو، قضيت عمري كله إلا قليلاً تحت حكم عسكري فاشل، أدار مصر لثلاثين عاماً بمنطق العزبة، وكان منطق العزبة هو من منجزات ثورة يوليو.

ومن زاوية أخرى، انتقال أبي من الطبقة الفقيرة -جدا- إلى الطبقة المتوسطة يبقى من منجزات يوليو، بغض النظر عن سياسات السادات، أحد أبناء يوليو، في الاقتصاد، والتى تركت مصر على حافة الانهيار بعد سلسلة من الديون وفوائد الديون أغرق فيها السادات مصر.

إذن لتلك الثورة وجهتين، كالعملة، يمكن النظر إليها عبر إحداهما، ويمكن النظر إليها عبر كليهما، ولكن كيف ننظر إليها بدقة وإنصاف والتاريخ يكتبه المنتصرون فحسب، بينما المهزمون ينزون في ركن قصي من الحياة.

حركة التاريخ ليست دائرية ولا خطوط مستقيمة يمكن السير عبرها لنصل إلى نقطة الابتداء لننطلق منها، بأيهما تبدأ: منجزات العصر السابق أم إخفاقاته أم تنطلق من بدء الثورة مناقشاً ما لها وما عليها؟

إن الأساس الذي يمكن أن ننطلق منه هو المقارنة بين نظامي الحكم في عهد فاروق وناصر، وليس منجزات عصر كل منهما بطبيعة الحال، فترسيخ المبدأ أهم من مؤشرات البورصة ومدارس الفقراء.

كان النظام ملكياً يحكم فيه الملك، وثمة نظام برلماني هش، يمكن للملك أن يتلاعب به، كان حزب الوفد، حزب الباشاوات، هو المهيمن في ذلك التوقيت، رغم الصراعات التى دارت داخله.

جاء نظام يوليو ليهدم الملكية، ويؤسس لجمهورية ديمقراطية حديثة.

غير أن نظام يوليو قد اكتفى بإعلان الجمهورية دون الديمقراطية الحديثة، ورسخ عبد الناصر بعدما أقصى محمد نجيب عن المشهد السياسي لحكم الفرد المطلق، ربما لم تشهد مصر قبل عصر ناصر حكماً ديمقراطياً راسخاً، لكننا نحاكم ثورة بما أعلنت من أهداف لها تسعى إلى تحقيقها.

إن الثورة حينما تعلن عن نفسها فإنها ترفع مطالبها أولاً وتدعو الناس للالتفاف حولها لتحقيق المطالب، ومدى نجاح الثورة أو إخفاقها يتوقف، في الحقيقة، على ما تحقق من تلك المطالب.

في البدء كان من العسير محاكمة ثورة يوليو تبعاً لما تحقق من أهدافها، وذلك لما يسمى بالحرب على الثورة المضادة في ذلك التوقيت، لكن الحرب طالت وامتد أمدها حتى شملت من كانوا يوماً في صف يوليو، وزجت بالكثير من الإخوان واليساريين في سجونها ومعتقلاتها.

لن ننحرف كثيراً لنناقش قضية الحريات إبان نظام يوليو، لكن المجدى أن نعود إلى شكل الدولة، أعلنت الجمهورية، وخفتت المطالبة بالديمقراطية، ربما لظروف كثيرة، أهمها أن الرئيس الجديد بحاجة لفرصة لتثبيت أقدام الثورة وهدم النظام القديم.

انطلق الرئيس الجديد بثورية شديدة يحطم النظام القديم، ويؤسس لنظام جديد، بيد أن النظام الجديد في جوهره لم يختلف كثيراً عن النظام السابق له، سوى في بعض الشكليات التى لم يتأثر بها جوهر نظام الحكم.

أسس ناصر نظام حكم جمهوري فردي عسكري، رئيس عسكري يخلع ملابسه العسكرية ويعتلى منصب رئيس الجمهورية ليدير الدولة بذات المنطق الذي يدير به الجيش، الطاعة مقدمة على كل شئ، الولاء أهم من الكفاءة.

قلد ناصر المناصب المدنية لكثير من العسكريين، وانتشروا كالنار في الهشيم، وانتقل بعضهم من الطبقة المتوسطة للطبقة البرجوازية، وبهذا قامت ثورة يوليو باستبدال برجوازية الملك ببرجوازية العسكريين، وحصل اختلاط وتداخل بين البرجوازية القديمة والبرجوازية الجديدة عبر شبكة من التصاهر بين الطرفين.

ثم انشغل الرئيس الفرد بقضية التحرر الوطني ودعمها في مصر وخارجها، وهذا شئ نفخر به، وإنما ليس على حساب الحريات داخل الوطن. انقلب نظام يوليو ضد الجميع وصار كل صوت  يختلف مع الرئيس معادي للثورة، ويناهض قضية التحرر وعميل لللاستعمار.

كرّس ناصر لتخوين المعارضين، وأضحى الزج بهم في السجون عادة يمارسها نظامه بكل أريحية، دون التفات لأن القضية الأم هى تحرير الوطن لا تحرير النظام الذي يحكم الوطن.

إن شكل دولة يوليو يبدو هكذا، رئيس عسكري يحكم جمهورية مدنية عبر جهاز أمني قوي، يرفع راية التحرر الوطني وبعض الشعارات الاشتراكية، ثم لا مانع من استخدام الدين عند الحاجة، مع تخوين المعارضين للنظام والرمي بهم في السجون كلما ارتفع لهم صوت.

إن القضية الأساسية في الثورات هى قلب نظام الحكم والإتيان بنظام حكم جديد يخالف النظام القديم، ليس المطلوب أبداً أن يأتى نظاماً جديداً فحسب، بل المهم والأهم أن يكون نظاماً مخالفاً لما سبقه في النهج والمنهج.

لكن نظام يوليو بكل منجزاته كرّس لنظام ملكي من نوع جديد، نظام الأب فيه هو الجيش والأبناء هم الضباط يتوارث بعضهم مصر كلما غاب الآخر.

إن نظام يوليو قد وضع الأساس لدولة مبارك، وامتدت هذه الدولة في خطوط مستقيمة تنحدر للأسفل عبر نظامي السادات ومبارك، وكان من الطبيعي أن تشتعل ثورة جديدة للتخلص من نظام يوليو، والثورة الجديدة بطبيعة الحال تأتى لتقلب النظام القديم وتستبدل نظاماً جديداً بدلاً منه.

لا يمكن بطبيعة الحال أن تكون ثورة يناير امتداداً لثورة يوليو، فيوليو قد جاء بالعسكريين إلى نظام الحكم، وأسس دولة الولاء فيها أهم من الكفاءة، والاستبداد فيها خير من الديمقراطية، فالرئيس هو الأب والراعى للشعب، والشعب قاصر عليه أن يستمع لما يراه الرئيس مادام الرئيس وطنياً مخلصاً ولو كان ذلك على حساب الحريات.

إن الشعب لا يريد نظاماً يطعمه ويشربه، إن الشعب يريد وطناً لا حظيرة، يريد وطناً يعارض فيه الرئيس، وطناً لا يخشى فيه أمن الدولة، وطناً لا يقتل أبناءه بالمدرعات، وطناً لا يسرق قوت الشعب لصالح الجنرالات.

إنني باعتباري أحد أبناء يناير لا يمكن أن أقف إلى جانب نظام يوليو ولا يمكن أن أنكر منجزاته، لكن تلك المنجزات ضاعت عبر النظام الذي كرسته ثورة يوليو. كان طبيعياً أن تصل مصر لما وصلت إليه في عهد مبارك، فإن آلة الاستبداد لا تنتج وطناً حتى ولو كانت بدايتها تبدو مبشرة.

لأن ثورة يوليو جعلت نظام الحكم فردي عسكري، فكان من المنتظر أن تتغير السياسات تبعاً لتغير الرئيس، وبهذا يتحمل نظام يوليو ما أقدم عليه السادات وخلفه مبارك.

نظام الحكم هو الأهم لأنه المنتج لكل ما نراه على الأرض في الواقع، ولأن نظام يوليو نظام فردي عسكري استبدادي فلا يمكن إلا أن أنحاز إلى المعادين له.


Share/Bookmark

1 التعليقات:

Räumung Wien يقول...


مدونة مميزة
كل تقدير واحترامى لكم ... :)

إرسال تعليق