” كان الحنين إلى أشياء غامضة
ينأى ويدنو،
فلا النسيان يقصيني،
ولا التذكر يدنيني
من إمرأة إن مسّها قمرُ
صاحت: أنا القمر.”
(محمود درويش، لماذا تركت الحصان وحيداً)
فى البدء ساد الظلام، وكان الظلام عند سواها، وكان لديها النور.
لمسة يدها، نظرة من عينيها، ضحكة من شفتيها، دمعة تمس خدها دافئة بحزن نائم فى صدرها، حنين إليها يملؤني.
كانت هى النور حين ساد الظلامُ الدنيا، كانت هى اليقين حين امتلئت النفوس بالشك، كانت هى الدفء حين نامت حواء على يد آدم، وكانت الحب حين كانت أجساد النساء.
كالإله الصغير كنتُ، أتخبط فى ظلماتي وحيداً، متفرداً بكبرياءِ وغرور، أعبد ذاتي، وأعشق أجساد النساء، رسمتهنّ على صورة فينوس، وضاجعتهن فى حضرة أفروديت، وصليت لها، وأطرقت خجلاً حين بكتْ وقالت: لم يفعل مثلما فعلتْ.
هناك على ناصية الأبدية جلسا سوياً، كان ذلك اللقاء الأخير بينهما، جاءت أو ربما غادرت لتعيد إليه بعض ما أرادت ألا تحتفظ به من أشياءه وذكرياته.
كانت صامتة، باردة كنجمة شردت عن سمائها، يدها لم ترتجف مثلما اعتاد عند مصافحتها، سرت برودة في يدها ليست كتلك التى اعتادها، وكأن شيئاً ما قد سلبها روحها فبقيت جثة باردة.
حاول أن يكسر برودة اللقاء بكلمات حارة، بيد أنه أحس ببرودة تسرى فى حلقه، حالت بينه وبين كلماته، أصابه جفاف عاطفي أمسك لسانه عن الكلام، وهى غارقة فى الصمت، إلا أنها بادرت وقالت: تلك أشياءك، أتذكر أنها كانت كذلك، أم كانت أقل؟
قال لها: ليتها كانت أقل ليكون الجرح أقل، أو ربما أحببتك أقل ليكون الشوق إليكِ أقل، أو ربما كان العمر أقل لأحترق أقل.
غريبة هى الحياة تدهشك بحبٍ مفاجئ، وتتخطفك من دنياك إلى دنياها. إلى دنيا إمرأة لا تعود بعدها إلى دنياك إلا وحيداً حزيناً مقهوراً، مغلوباً لم تنتصر.
ولا تقف الحياة عند هذا الحد، بل تستحيل جحيماً بارداً حين تفقد قلبك وروحك فى جسد حبيبتك، وتذهب بعيداً إلى صحراءها تتعذب وتشقى بقلبك فى جسدها.
لماذا تشقى حبيبتى؟
هل الحب شقاء؟ .. قلتُ لشيخي
قال: ياولدي الحب أوله فرح، وأوسطه طرب، وأخره جحيم يستعر.
قالت بكلمات متهالكة: كيف حالك؟
قال: هل أنتِ محقة فى سؤالك؟ هل تسألين عن حالي وقلبي يرقد بين جوانحك؟ لو تحسستي قلبكِ عرفتي حالي.
تبسمت ابتسامة باردة وقالت: ليس بيدي.
قال: يشق علي أن أراكِ تتصنعين الصمت وقلبك ينبض بي، أتعذب بكِ، أتوق إليكِ، هل نسيتِ لمسة يدي، ضحكتي، كلماتي لكِ حين ينام القمر على خد الليل.
لم تبكِ، كانت صلبة وعنيدة، وكان يعرف أن النار تتأجج بداخلها، لكنه صمتْ لأنها يحبها.
كنتُ أعرف أنها عنيدة وأعرف أنها ضعيفة كموج البحر، تقذفك بقوة بعيداً ثم تنتهى زبداً على شاطئك.
الصمت فى الحب فضيلة، لكنه فى الفراق نار تحرق العاشق، كانت صامتة، ربما كانت راغبة فى رؤيتي أحترق، لا، إنها جميلة وطيبة وقلبها ينام فى صدري، أحس بحنينها إليّ، أحس بشفتيها الدافئة، لماذا افترقنا؟
هل هناك أقسى من افتراق جسدين، وروح تغادر جسد حبيبها، هل كان ضروري أنا أحبها؟
قال شيخي: ياولدي لو لم تحب لم تحيا.
قلتُ : الحب عذاب
قال: تعذب حتى تفنى فى حبيبك فتتحد روحكما وتصيرا واحداً غريبأ عن نفسه.
قالت وعيناها تلمع حباً: سأرحل هل تود شيئاً؟
نظرتُ إليها وتعذبتْ وصمتْ.
لم أصافحها، ولم أبكِ.
5 التعليقات:
جدا بقي .. جدا جدا يعني :D
Beautiful words ya Abou. Every single paragraph is amazing!
أكتر حاجة بحبها في كتاباتك انها بتفكرني بقصص عبدالوهاب مطاوع باسلوبه,, لكن الفرق كمان انها قصص من وحي خيالك :-)
I am so interested in reading more! Thanx.
حلوة قوى :)
يا بختها فاتنة الحى :p
ببساطة، رائعة يا محمد، برافو
إرسال تعليق