إذا أردت أن تسبر غور شيئا ليتبين لك كنه هذا الشئ ، فألقى به فى براثن التجربة الواقعية، بعبارة أخر إذا أردت أن تكشف شيئا فضعه فى موقع الفاعل حتى تتبين لك حقيقته، ينطبق ذلك المثل على الجماعات الإسلامية التى عاشت تحت الحظر والحصار طوال عهد حسنى مبارك، فالجماعات الإسلامية كانت فزاعة يستخدمها النظام ليرعب بها الداخل والخارج.
لذا كان لابد بعد سقوط نظام حسنى مبارك أن تخرج هذه الجماعات من حظيرة المنع والإقصاء، إلى أفق الحرية والتعددية، وكان لابد لنا من دعم ظهور هذه الحركات كى نختبرها ونسبر أغوارها، فندرك حلوها ومرها، وخيرها وشرها.
والحق أن تلك الجماعات مالبثت أن كشفت نقابها سريعا، وأفصحت عن مكنونات نفسها بوضوح لا يعرف المواربة، فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الوطن، وتطبيق الشريعة فوق الحرية وفوق العدالة، ودين الدولة فوق كل شئ فى الدولة، ولا حرج فى إراقة الدماء لأجل إعلاء كلمة الله، هذه محصلة مارأيناه طوال الأيام الماضية، من شتى الفرق الإسلامية التى طرحت نفسها على الساحة، سواء من كان منخرطا أصلا فى الحياة السياسية، أو من دخل هذا العالم حديثا كطفلٍ رضيع يحبو لايدرك مسالك هذا العالم.
وأعجب من ذلك كله أن نتجرع من تلك الجماعات ماتجرعوه هم على مدار العقود الماضية، فتهم التخوين والعمالة والعمل لصالح أجندات غربية مافارقت ألسنة هؤلاء فى مقالاتهم وكلماتهم، رغم أن الجميع رفض اتهامهم بالعمالة، وطالب الكل بالاختلاف فى إطار جماعة وطنية، لكل منا رأيه ولا نخون بعضنا بعضا.
غير أن مارأيناه كان شديد الغرابة، والمفارقات هنا لاتخلو من العبثية، حيث إن تلك الجماعات اتفقت على موقف واحد إزاء تعديل الدستور، بينما الأخرون انقسموا على أنفسهم بين مؤيد ومعارض، ومع ذلك تتهم تلك الجماعات وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين المصوتين بالرفض بأنهم يتلقون أموالا من الخارج ويحاولون أمركة الثورة، حسبما نشر الموقع الرسمى للإخوان المسلمين، حيث نشر خبرا مؤداه أن حملة مشبوهة تقف خلف الترويج لرفض التعديلات، وأن إحدى الجرائد قد نظمت ندوة لرفض التعديلات تبين أن التمويل الأمريكي هو المحرك وراء تنظيم الندوة.
وبعد هجوم القراء على الموقع الرسمى للإخوان حُذف الخبر بعد حوالى ساعة ونصف من نشره، كما نشر موقع المصريون ذات التوجه الإسلامى عدة مقالات تؤكد أن دعاة الرفض يحاولون أمركة الثورة، وأن غرضهم الأساسى ليس رفض التعديلات ولكن تطبيق الأجندة الأمريكية، وإلغاء المادة الثانية من الدستور.
كما بث موقع بوابة الأهرام الإلكترونية خبرا أخر مؤداه أن بعض شباب الإخوان المسلمين هاجموا بعض الشباب الليبراليين فى مدينة الأسكندرية على خلفية دعوتهم لتنظيم مؤتمر لرفض التعديلات الدستورية، وصادروا اللافتات التى تدعو لرفض التعديلات الدستورية، فى الوقت الذى علقت فيه جماعة الإخوان لافتة تدعو فيها المواطنين للتصويت بنعم تحت عنوان إن تأييد التعديلات واجب شرعى كما أفتى بذلك الشيخ المحلاوى !
ومن الإخوان إلى السلفيين الذين أذاعوا بيانا ونشروه بين الناس يحوى اتهامات بالتخوين والتكفير للرافضين للتعديلات الدستورية حيث قالوا فى بيانهم: ( إن أعدائكم يتربصون بكم ويريدون أن يقضوا عليكم بالقضاء على دينكم وشرع ربكم وذلك بإلغاء الدستور لإسقاط المادة الثانية من الدستور أو لوضع دستور يتعارض مع دين الله عز وجل )، ودعوا فى ختام البيان بالموافقة على التعديلات والخروج للوقوف فى وجه أعداء الله !
ماذكرته مجرد نماذج قليلة لما نشر فى مواقع الجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها، وكلها كما رأينا تعج بالتخوين والتكفير والرمى بالعمالة، كل هذا لمجرد الاختلاف حول التعديلات الدستورية، مع أن لكل المعسكرين منطق يحترم فى الرفض أو القبول، غير أن المعسكر الإسلامى سرعان ماأبان عن نواياه وطريقته فى التعامل مع المخالفين، فانهال على المعارضين له بالتخوين والتكفير هذا وهم فى غير موقع السلطة، فماذا لو كانوا فى موقع السلطة؟
الأسوأ من ذلك كله هو الاقحام المتعمد من جانب الإسلاميين للدين فى أمر دنيوى بحت، فراحوا يصدرون الفتاوى بوجوب الموافقة على التعديلات، وخرج بعضهم ليؤكد أن من يرفض التعديلات آثم قلبه، وأن التصويت بالموافقة واجب شرعى.
خلاصة القول فى هذا أن الاقحام المتعمد للدين فى أمور السياسة فى واقع الأمر إهانة للدين وإفساد للسياسة، لاسيما أن نوايا البعض لاتسلم من المآرب الدنيوية!
1 التعليقات:
انا تعبت من ورقه اللعب بالدين في كل حاجة للتاثير علي الناس وبعد كدة كل ما حد يعترض علي حاجة ... يجي شيخ يقولنا اننا مش بنعترض علي فعله ولكن بنعترض علي الدين .... للاسف استغلال لجهل الناس وتدينهم... مياده
إرسال تعليق