السباحة ضد التيار، والتغريد خارج السرب، عادة مايكون جالبا للمشاكل لمن سبح أو غرد. آية ذلك أن الدفاع عن الجيش كمؤسسة مصرية وطنية بات أمرا يجلب التخوين لصاحبه، والكلام عن انضمام المجلس العسكري للثورة غدا مدعاة للإتهام بالعمالة والارتماء فى حضن المجلس العسكري، والرغبة فى الحصول على منفعة لم يكن متاحا الحصول عليها إبان عهد الرئيس المخلوع، لذلك أود ممن يقرأ تلك الكلمات، ألا يظن أنى راغب فى شهرة ولا مال، ولا أنى أنافق المجلس العسكرى، ولا الجيش، رغبة أو رهبة، فما خفت يوما فى عهد مبارك، فمن المنكر أن أخاف الأن، ومصر قد نفضت عنها غبار الذل.
إن خطاب مبارك اليوم يحمل عدة رسائل، وله دلائل عدة، يمكن فهمها على نحو نتهم فيه المجلس العسكري بالخيانة والعمالة لنظام مبارك، ونحو يؤمن قليلا بالتعقل والتروى والتحليل لمضمون الخطاب.
بدا مبارك فى خطابه متعبا، صوته يحمل الكثير من الألم، وقلبه مطمور بالحقد، فالرجل لم يكن يتخيل تلك النهاية، وعلى يد شباب مصر بتضامن وتأييد من جيشها الباسل.
ورجل مثل مبارك قد بلغ من العمر أرذله، وانتهى به الحال إلى أن يكون رئيسا مخلوعا، ورأى الذين حوله يتهمونه بإفساد كل شئ فى مصر، حتى أقرب المقربين له خرج على الناس زاعما أنه كان معارضا لسياساته، رغبة منه فى نيل شرف المعارضة فى زمان هذا الطاغية، ورأى المنافقين وخدام نظامه يمضغون الكلام عن جرائمه بحق أو بباطل ليل نهار، ورأى مصر فى يوم الاستفتاء وهى ترفع رأسها فى عزة وشموخ، قائلة له لقد طعنتنى بسكين بارد طوال ثلاثين عاما، لكنى لم أمت، إنما أنا أم البلاد حية مادامت الدنيا باقية، وسأنهض وأقوم لأنك رحلت بوجهك الكئيب عنى.
مبارك الأن جريح، أو بالأحرى رجل يحتضر، وتأكله الرغبة فى الانتقام من الذين خلعوه، والذين ضغطوا عليه ليرحل، غبى من يظن أن مبارك كان سيرحل دون ضغط من الجيش، ودون ضغط من العالم الخارجى، فمبارك كما نشرت العديد من الصحف كان ينوى الاستمرار ولو على دماء الألاف الشهداء فى مصر، وعلمنا أنه قد أصدر أوامر للجيش بإطلاق النار على المعتصمين، غير أن جيشنا العظيم رفض أن يسدد رصاصاته فى صدور أبناء شعبه، وأبى أن يرتدى ثوب العار إلى نهاية العالم.
من المهم أن ننظر فى توقيت بث الخطاب، بل هو الأهم من كل ماجاء فى الخطاب، إن توقيت الخطاب جاء فى الوقت الذى اشتعلت فيه نار الفتنة بين المجلس العسكرى والثوار، وبدا أن ثمة نيران تتحرك تحت الرماد بين الطرفين، وأن هذه النار إن لم يتداركها الطرفين فمصر مقبلة على فتنة عظيمة.
أزعم أن مبارك أراد أن يزيد فى توسيع الهوة بين المجلس والثوار، وأن يزيد النار اشتعالا، فخرج فى ذلك التوقيت عامدا، ليخرج لنا لسانه موحيا لنا بأنه بخير وأنه سيفلت من العقاب، وأن أمواله ليست تحت طائلة المحاكمة، بل أكثر من ذلك إنه يزعم أنه على استعداد للتقدم بنفسه للنائب العام للتحقيق فى ثروته، فى تحدى سافر للثوار الذين يطالبون بمحاكمته.
مبارك سيحاكم، ولن يحاكم فقط على جرائم إهدار المال العام والتربح، وإنما سيحاكم على قتل المتظاهرين، وسيحاكم على إفساد الحياة السياسية فى مصر، مبارك رجل طاعن فى السن، يدرك أنه إلى زوال، غير أنه يود أن يشعل مصر قبل أن يرحل عن عالمنا، ليثبت للعالم أن خيار مبارك أو الفوضى كان صحيحا، وأن مصر لاتستحق الديمقراطية.
وخروج النائب العام عقب الخطاب مباشرة ليطلب مبارك للمثول أمامه للتحقيق فى البلاغات المقدمة ضده، وتأكيده أن خطاب مبارك لن يؤثر على مسار التحقيقات، وأن مبارك سيحاكم على إهدار المال العام وقتل المتظاهرين، رسالة إلى من يريد أن يعى، أن مبارك لن يفلت من العقاب، مهما كانت الضغوط، ومهما كانت الأسباب.
ولايغيب عن الأذهان أن قناة العربية ( السعودية ) هى التى أذاعت خطاب مبارك، ولاننسى دور العاهر السعودى فى دعم نظام مبارك إبان الثورة المصرية، وعرضه 5 مليارات دولار لدعم نظام مبارك إذا مامنعت الولايات المتحدة المعونات الممنوحة لمصر.
علينا أن ننتبه وأن ندرك أن الوقت الذى تمر به الثورة، هو أقسى اللحظات التى مرت بها، وهى حالة ستنتهى، ولكنى أتمنى أن تنتهى إلى خير، إلى يد تحرث ويد تحمى، جيش وشعب يد واحدة، ضد ظلم وقهر.
وعلى المجلس العسكري أن يعجل بمحاكمة مبارك، وأبنائه وزوجته، وكل رموز نظامه السابقين، بصورة عاجلة عادلة.
سأظل أكرر ماحييت أن الجيش حمى هذه الثورة، وأن الجيش رفض إطلاق الرصاص على المعتصمين، ولنا فى جيوش عربية أخرى عبرة، ومجحف من ينكر دور القوات المسلحة المصرية على مدار التاريخ فى حماية مصر من الداخل والخارج.
3 التعليقات:
بالرغم انى معارضة لوجهة نظرك يا محمد وانت طبعا تعلم ذلك...ولكنى لا استطيع الا ان احييك على هذه المقالة وهذا التحليل...الذى ان دل على شىء فانما يدل على نقاء روحك ...ربنا يكتر من امثالك لبلدنا فهى باشد الحاجة الان لذلك
أشكرك ياأمى الغالية :)
انا بحييك على هذه الروح الطيبه والثقه الجميله والكبيره في الجيش المصري ...بس انا شايفه انه مش بالضروره ععشان يتلبى طلب لازم ينزل الشعب للميدان ويضغطوا عالجيش عشان يتلبى طلبهم ...وبتمنى ان يحاكم مبارك واولاده واعوانع محاكمه بجد مش عشان تهدئة نفوش
إرسال تعليق