ماحدث اليوم يصعب وصفه.. لأول مرة في حياتي أذهب للمشاركة في مسيرة سلمية، وقد رددنا كلمة سلمية مراراً حتى يفهم الأمن أننا نرفض العنف كوسيلة للتغيير، لكن يبدو أنهم لايفهمون تلك اللغة .
البداية خرجت من منزلي من محافظة الغربية متوجهاً إلى موقف السيارات، فلم أجد سيارات تقلني إلى القاهرة، وكان يبدو أن ثمة إتفاق بين الأمن والسائقين حيث وقفت عدة سيارات وأغلقت النوافذ ورفضت العمل، في حين أن الناس في الموقف بالعشرات، فخرجت إلى الطريق السريع لكي أجد أي وسيلة تقلني، فوجدت العشرات أيضاً يقبعون على جنبات الطريق، وفي النهاية وُفقنا لأن نتفق مع سائق أتوبيس خاص بأن يقلنا إلى القاهرة مقابل زيادة في الأجرة وقد كان .
طوال السير على الطريق كنت أرى العشرات في كل مكان يملؤن الطرقات، تيقنت أن الأمن قد أعد العدة مبكراً لإجهاض المسيرة، ولكن لم يذهب ذهني أبداً، ولم يجل بخاطري قط ماسوف أسرده لكم الأن .
وصلنا إلى المؤسسة.. كانت الساعة آنذاك حوالي العاشرة والنصف، ثم اتصلنا بشباب 6 إبريل فأبلغونا ألا تذهبوا إلى ميدان التحرير إلا في الساعة 11.50 ، لكي لاتقعوا في قبضة الأمن، على الفور نفذنا تعليماتهم، وانطلقنا إلى ميدان رمسيس لكي نتناول وجبة الإفطار لأنه قد أصابتني حالة دوار وقئ قتلني لأربع مرات، تحاملت على نفسي وتناولت عصير وعلبة بسكويت، لم أقوَ على إكمالها، إذ أن حالة الدوار قد زادت وخشيت أن يعاودني القئ فتركته .
بعد ذلك اتصلنا بشباب 6 إبريل، وكانت الساعة 11.45 ، فأبلغونا أن استقلوا سيارة بسرعة وتعالوا إلى ميدان التحرير على الفور، لم ننتظر أوقفنا سيارة تاكسي وذهبنا لميدان التحرير .
كان الميدان أشبه بثكنة عسكرية، مئات من جنود الأمن المركزي، ومئات من فرق الكاراتيه التي ترتدي الزي المدني، وعشرات من كبار ضباط أمن الدولة ، وعشرات من كبار ضباط مكافحة الشغب، ولا أحد من شباب 6 إبريل .
أذن الظهر، ولم يظهر بعد أحد من شباب 6 إبريل، اتصلت بهم فكانت جميع هواتفهم مشغولة، دخلت إلى المسجد الكبير المقابل لمنبى مجمع التحرير، صلينا الظهر، واتصل بي أحد أعضاء كفاية وعضو الحملة المستقلة لدعم البرادعي ليستفهم على مكان المسيرة، أخبرته أني هنا منذ مايقرب من 20 ق ولم يظهر أحد بعد، فقال لي : “ أنا عند مجلس الشعب ومفيش حاجة غير مئات من عساكر الأمن المركزي مانعين أي حد يوصل “ .. فقلت له : “ تاخد نمرة شباب 6 إبريل تكلمهم “ .. قال لي : “ ياريت “ .. أرسلت له الرقم ، واتصلت به بعد فترة أبلغني أن مكان المسيرة تغير، والمكان الجديد أمام مجلس الشورى .
ذهبت أنا وأصدقائي، وكنا ثلاثة، نحو مجلس الشورى، وبينما أنا ألتفت لأخبر صديقي بأن يخرج هاتفه لكي أتمكن من رصد مايحدث عبر الصور، وجدت مئات من عساكر الأمن المركزي تحاصر الشباب المتظاهر، وكان عددهم يقارب 150 شاب وفتاة، وبعد أن أحُكم الحصار على الشباب والفتيات بدأت فرق الكاراتيه تقوم بماراثون تعذيب وتنكيل وسحل وضرب وتحرش وإهانات وكل ماقد يخطر على بال بشر .
المشهد الصادم وأنا أسرع لكي أدخل في المظاهرة لأجد 8 من فرق الكاراتيه يضربون شاب وخلفهم 7 يضربون أخر ويسحلونهم على الأرض، وينزلونهم إلى جراج بجوار مجلس الشورى .
ثم اقتربت من المظاهرة ووقفت على الجانب الأخر، فالأمن قد أحكم قبضته ولامناص منها، وبدأت فرق الكاراتيه تخطف المتظاهرين، متظاهر متظاهر، ومتظاهرة متظاهرة، مع تكسير كاميرات بعض المراسلين، وضرب بعض الشباب الذي كان يصور بكاميرات هواتفه، وأخذ الهواتف عنوة، لكن كان يقف خلفى اثنين يبدو أنهم مراسلين لفضائيات أجنبية التقطوا بعض اللقطات المصورة أتمنى أن يستطيعوا إذاعتها، وألا تكون أيدى فرق الكاراتيه قد طالتهم .
بعد أن اعتقل العديد من الشباب والفتيات، تفتت المظاهرة بالكامل، وبدأ الشباب يهرولون في مجموعات، كلما صرخت زميلة لهم ، هرولوا نحوها، وكلما صاح شاب حاولوا إنقاذه، لكن سرعان مايعتقل إثنان أو ثلاثة ممن حاولوا إنقاذه من الشباب . الفتيات كُن يعاملن بقسوة شديدة، ولم يفرقوا بين محجبة وسافرة ومنتقبة، الكل نال نصيبه من العقاب .
وأثناء المذبحة صرخت فتاة صرخة مدوية، تحرك الجميع نحو الصوت، وبدأت تحدث اشتباكات بين بعض الشباب وفرق الكاراتيه، والتي بالطبع سيطرت على مجموعة الشباب الساخطة، واعتقلوا عدد منهم ، ولكن بعضهم آوى إلى المبنى المقابل لمجلس الشورى، أظنه بنكاً، وظلوا يهتفون “ الحرية.. الحرية.. الحرية “ ، فعاودت فرق الكاراتيه الهجوم والضرب والتنكيل بعد أن ألقت بالمعتقلين الأخرين في الجراج، واعتقلت عدداً أخراً، تخلل ذلك شد للفتيات وخطف هواتفهن المحمولة، واعتدى أحد بلطجية الشرطة على فتاة أظنها الصحفية هبة غريب صاحبة المشكلة مع شوبير، وهذا ظن، حيث أمسكها من يدها اليسرى ووضعها خلف ظهرها، وأمسكها من صدرها ليسقطها على الأرض لكنها صرخت فيه، لكني لم أستمع لما قالته له، لكنه عالفور تركها .
ثم هربت مجموعة من الشباب نحو ميدان التحرير وهم يهتفون “ يسقط .. يسقط حسني مبارك” ، “ ياحرية فينك فينك.. أمن الدولة بينا وبينك “ ، لكن عاجلهم الأمن المركزي وحاصرهم عند سيارة مرور، وأخذوا منهم العديد من الشباب وألقوهم داخل عربات الأمن المركزي كما تلقى المنديل بعد أن تتمخط فيه .
وأثناء إلقاء الشباب داخل العربات هربت مجموعة من الفتيات وركبن الأتوبيسات العامة وهن يصرخن من هول مارأين، وإحداهن تصرخ مذكرةً زميلتها أنهن فقدن فلانة وفلانة ولايمكن أن تتركها، فتخبرها أن نهرب نحن أولاً ثم نتصرف بعد ذلك . ثم هرول بعض الشباب هرباً من بلطجية الداخلية يمنة ويسرة ولم يعد للمظاهرة أثر .
في حياتي شاهدت العديد من فيديوهات التعذيب والتنكيل والضرب والقمع ، لكني لم أتخيل يوماً أن يكون القمع بهذه الصورة، هي صورة أشبه بصور الخيال العلمي، لايمكن أن تتخيلها إلا وأنت داخل إطارها .
بحق كانت تجربة محزنة، لقد بكيت حين وقفت في ميدان طلعت حرب ورأيت شباب حزب الغد يهتفون من الشرفات والنوافذ بعد أن منعتهم جحافل الأمن المركزي وفرق الكاراتيه من النزول، وهؤلاء الشباب لم ييأسوا بل ظلوا يهتفون ضد النظام والرئيس والحكومة، وهنا أدركت أن الأمل مازال يلوح في الأفق، وإن كان النفق المظلم يزداد سواداً إلا أننا تعلمنا أن أحلك لحظات العتمة ماقبل الفجر.
لن ييأس شباب مصر، ولن يكفوا عن المطالبة بحقوقهم، ولن ننهزم أمام مجموعة السفاحين والجزارين الذين يحكمون البلاد، بل سنظل نناضل حتى تتحرر مصر من أيديهم .
محمد أبو العزم
6 إبريل 2010
تغطية إعلامية للأحداث:
بالصور.. قوات الأمن تنسحب من موقعة "وسط البلد" بعد يوم عصيب مع نشطاء 6 أبريل
الأمن يحبط مظاهرة (6 أبريل) وسط القاهرة ويشتبك مع المحتجين ويعتقل العشرات
الأمن يعتقل مؤسس موقع "البرادعى رئيسا" ويحاول إحداث أعطال فنية به
الشرطة المصرية تفرق بالقوة مظاهرة لشباب حركة 6 أبريل في القاهرة
إعتداءات وإعتقالات في صفوف المشاركين في مسيرة التحرير
مجزرة وسط البلد.. 6 إبريل .. القصة الكاملة!