بقلم / محمد أبو العزم
حدث ذلك في نهاية أغسطس عام 1897م .. انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية وصدر عن هذا المؤتمر عشرات التوصيات كان أهمها توصيات بشأن الاستيطان وتهويد مدينة القدس ، ومنذ ذلك الحين سعت الحركة الصهيونية بما تملكه من أدوات وأسلحة لتنفيذ تلك التوصية التي صدرت عن هذا المؤتمر . وفي ذات الإتجاه سعى أصحاب القرار في الكيان الصهيوني إلى خلق هيمنة ديموغرافية يهودية في القدس ، اتُخذ بصددها عدة إجراءات لتهجير المقدسيين خارج أرضهم ، ولتضييق الخناق عليهم كي يهربوا من الحصار الجائر تاركين خلفهم بيوتهم وأراضيهم للمحتل الغاصب . ولكي يتحقق الهدف بتهويد القدس اتخذ الكيان الغاصب عدة اجراءات تمثلت في :
1- الاستيلاء على أملاك الفلسطينين بسن تشريعات صهيونية تمكن الاحتلال من مصادرة الأملاك الفلسطينية للصالح العام ، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي بموجب قانون أملاك الغائبين الذي يخوّل لسلطات الإحتلال مصادرة أراضي الفلسطينيين الذين لم يدخلوا في إحصاء عام 1967 .. وقد استخدمت سلطات الاحتلال قوانين المصادرة للمصلحة العامة على أسوأ وجه ، فمبوجب قانون الأراضي لسنة 1953 جرى مصادرة 24 كم وهو مايعادل 35% من مساحة القدس الشرقية .
2 – تضييق الخناق على الفلسطينيين في بناء أو ترميم منازلهم ، فقد وصلت رخصة البناء التي تصدرها البلدية إلى 25000 دولار للبيت الواحد ، كما أن الفلسطيني داخل المدينة القديمة لايتمكن من ترميم وإصلاح بيته ، بالرغم من وجود 1400 منزل بحاجة ماسة للترميم منها 356 منزل آيل للسقوط . كما سنت قوانين تنظم البناء جعلت 40% من القدس الشرقية مناطق خضراء يمنع الفلسطيني من البناء عليها . وجرى تحديد مستوى البناء ، فالفلسطيني لايسمح له بالبناء بأكثر من 75% من مساحة الأرض كحد أقصى ، كل ذلك لأجل دفع الفلسطينيين للخروج من القدس للبناء على أطراف المدينة حيث الحصول على الرخصة أسهل وأقل تكلفة ، ومن ثم بلغت نسبة البناء اليهودي 80 % داخل القدس .
3- منعت سلطات الإحتلال إقامة مشاريع صناعية عربية ، وفرضت ضرائب باهظة على المشاريع القائمة بالفعل ، وبالرغم من تلك الضراب المرتفعة التي تصل حتى 25% فالفلسطينيون محرومون من كثير من الخدمات التي تقدمها البلدية . كما أنها أغلقت البنوك العربية ، واستبدلتها بفروع لبنوك إسرائيلية . مما أدى إلى تدنى الأجور التي يتلقاها المقدسيون فغدا 43.5 % من القدسيين يتلقون الحد الأدنى من الأجور ، وبلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر 63% للأفراد و 61.38% للأسر .
4 – إلغاء الإدارة العربية في مدينة القدس ، وتمثلت تلك الخطوة في حل المجلس البلدي العربي ، وإلحاق موظفين الدوائر العربية بدوائر تتبع الكيان الصهيوني . كما أقدمت سلطات الإحتلال على إغلاق دائرة الشؤون الاجتماعية ، وأخضعت جميع الجمعيات الخيرية مع جميع المعاهد الطبية والعلمية لإشرافها المباشر .
5 – استبدال أسماء الشوارع والمناطق التي تحمل دلالات تحفظ الهوية العربية والإسلامية للقدس بأسماء عبرية لتلك الشوارع والمناطق ، ولكل من تلك الأسماء دلالة تاريخية ترتبط بالعرب والإسلام في مدينة القدس ، وإزالتها بمثابة طمس للهوية العربية والإسلامية في المدينة .
6 – إجبار السكان على التعامل مع القضاء الصهيوني عن طريق اجراءات تعسفية للقضاء على نظام القضاء الشرعي منها .. نقل مقر محكمة الاستئناف العليا من القدس إلى رام الله ، ودمج محاكم الصلح والبداية في القدس بالمحاكم الاسرائيلية ، طلبت من القضاة والموظفين الالتحاق بالوزارة الصهيونية ، حاولت استمالة قضاة المحاكم الشرعية للتعاون مع سلطات الاحتلال ، لكن قوبل ذلك برفض من القضاة .
كل ذلك وأكثر تقوم به قوات الاحتلال من أجل هذف واحد تم وضعه سنة 1897 وهو تهويد القدس وطمس الهوية الإسلامية والعربية أملاً منهم في قيام دولتهم الكبرى والتي تكون عاصمتها الأبدية القدس ذات الأغلبية اليهودية ، وقد جاء ذلك على لسان شارون في مناسبات عديدة فقال : " بأنه يجب أن يكون القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل ، أغلبية يهودية ، ونحن نسير ومن رؤية بعيدة بحيث يكون فيها مليون يهودي ) .. " وهنا ، هنا بالذات بات من المشروع أن نخشى ان نصحو يوماً ونجد الأمر قد فات على أي فعل ، ونقع في الندم حيث لاينفع الندم ، ونجد أن الأقصى وقبة الصخرة والمدينة المقدسة بكاملها أصبحت صورة من الماضي نحٍنُ إليها كما نحٍنُ إلى قصر الحمراء ومساجد بخارى وترمذ وسمرقند .. وغيرها ، مما أصبحت ذكراه أو مرآه تثير العواطف ، ويستدعى الحزن لمن يهتم بأمر هذه الامة ويسعى لرفعتها " .
وهنا تستدعى ذاكرتي كلمة للكاتب الكبير فهمي هويدي إذ يقول : " إن إسرائيل تتقدم كل يوم على طريق ابتلاع فلسطين وطمس هويتها العربية والإسلامية ، والمأساة الحقيقية أنه وهي تفعل ذلك ، فإن العالم العربي يبدو إما مستغرقاً في خلافاته وتناقضاته ، أو معبئاً ومستنفراً ضد مايسمى بالخطر الإيراني ، يوماً ما توعد وزير خارجيتنا الهمام بكسر رجل كل من يعبر الحدود المصرية من الفلسطينيين ، لكننا لم نلمس منه جرأة أو غيرة مماثلة إزاء رسائل الاستعلاء والازدراء التي تبعث بها إسرائيل كل يوم إلى العرب أجمعين ، ومصر في المقدمة منهم ، لقد قلبنا الآية ، وصرنا أعِزّة على الأشقاء وأذلة على الغاصبين والمفترين . "
0 التعليقات:
إرسال تعليق