استغلال المرض أو الموت لإهالة التراب على تاريخ سيء لشخص ما يعد بمثابة تزوير حقيقي للتاريخ . نعم يتفق الجميع أن للموت وللمرض حرمة يحترمها جميع البشر ، لكن اختيار شخص ما أن ينخرط في العمل العام ، ويتصدر للتحكم بمصائر وطن يجعل منه كياناً معرضاً للنقد في كل وقت ، وإن كان ذلك الوقت الذي يرابض فيه في قبره ، أو يقبع في مشفى ليتعافى من مرضى .
ذلك أن البعض حاول عقب إذاعة خبر وفاة شيخ الازهر نكران تاريخ شيخ الأزهر السيء ومواقفه السياسية الأشد سوءاً ، بل إن البعض إدعى أنه كان حامى حمى الإسلام ، وأنه كان رجل ذو مواقف ، وأن الازهر ازدهر في عصره ، ودللوا على ذلك بانتشار المعاهد الأزهرية في شتى ربوع الوطن .
وكأن النجاح في مصر يتعين علينا أن نقيسه بحجم البنية التحتية التي أنشأها المسؤول ، الغريب أن مبارك حين دلل على نجاح سياسته في التعليم أكد أن أعداد المدارس في إزدياد ، ولم يتعرض إطلاقاً لحالة الطلبة الذين يرابضون في تلك المدارس ، ولا إلى مستواهم العلمي ، ولا إلى المناهج الذين يتلقونها داخل هذه المدارس .
إن موت شيخ الأزهر لن يجعلني وغيري من المصريين ننسى مواقفه التي كانت دوماً في صف النظام المستبد الذي يحكمنا ، فمن يستطيع أن ينسى فتوى شيخ الازهر بجلد الصحفيين الذين كتبوا عن صحة الرئيس ، وكأن الرئيس إله لاينبغى أن نتعرض له ولا نسأل عنه .
من يستطيع أن ينسى شيخ الازهر وهو يصافح شيمون بيريز السفاح الصهيوني ، ثم يخرج بكل بلاهة ليؤكد أنه لم يكن يعرفه ، وبعد ضغط من الصحف المعارضة وهجوم شديد تعرض له ، أكد أنه لم يكن من الشجاعة ألا يسلم عليه .
من يستطيع أن ينسى يد شيخ الازهر وهي تنزع النقاب عن وجه فتاة صغيرة لم تتخط الثانية عشر بعد ، وينفجر فيها وفي مدرستها ليؤكد لها أنه يفهم أحسن منها ومن اللي خلفوها !
حقيقة لا أستطيع أن أنسى شيخ الأزهر وهو يفتى بوجوب بناء الجدار الفولاذي الذي يحكم الحصار على إخواننا الفلسطينيين داخل القطاع المنكوب ، ولا يمكنني أن أتجاهل موقفه يوم كان ساركوزي وزيراً للداخلية وجاء ليطلب رأي الأزهر في منع المسلمات من إرتداء الحجاب ، ليخرج شيخ الازهر ويؤكد أن هذا حقهم .. هذا حقهم .. هذا حقهم ..
الحقيقة التي لايمكن أن ينكرها أحد ممن يقبعون على يسار هذا النظام أن طنطاوي كان أحد رموز هذا النظام المستبد ، وأنه كان بمثابة الغطاء الشرعي لأفعال نظام مبارك المخزية .
إذا حاول البعض أن يذكرني بذكر محاسن الموتى فليذكر لي موقفاً وقف فيه طنطاوي ليؤكد حرمة تعذيب المصريين في مقار أمن الدولة ، أو موقفاً ذكر فيه حرمة تصدير الغاز للكيان اللقيط الذي سرق فلسطين .
للأسف لم يترك شيخ الأزهر ذكرى طيبة يمكن أن أتذكرها له ، أو تكون سبباً في الترحم عليه ، أو الدعاء له .
والحق أني مؤمن بأن لحظة موت الطغاة هي اللحظة الأحق بذكر مساوئهم ليدرك الأحياء أن ثمة لحظة سيذكرهم فيها الناس إما بالخير أو بالشر .
1 التعليقات:
انا بتفق معاك في رايك جدا
إرسال تعليق