بقلم / محمد أبو العزم
لم يكن البرادعي حجراً ألقي في المياه الراكدة فحركها بعد ركود دام طويلاً فحسب ، بل أضحى نوراً انطلق في نفق طويل يغلفه ظلام دامس ليكشف لنا في هدوء وروية جنبات ذلك النفق الذي اختبأ فيه أقوام طيلة عقود مضت يحملون رايات المعارضة والتغيير ويبدون للوهلة الأولى في خصومة مع النظام القائم .
أتى البرادعي ملوحاً براية التغيير في يده ليكشف لنا من يبحث عن مصلحة الوطن ويأمل في تغيير حقيقي ، وإن اختلف مع البرادعي كشخص أو مع أطروحاته ، ممن يتدثر بغطاء المعارضة ويحمل بين صدره ولاءً للنظام ورموزه ، ولكنه يقوم بدور طلب منه القيام به ، لكي يمكن تصوير أن ثمة حياة سياسية في مصر ، بها معارضون وأحزاب وصحف .
آية ذلك المحاكمة الهزلية التي أطلقتها ماوصمت نفسها ب " كتلة أحزاب المعارضة " والتي تضم الحزب الجمهوري الحر وحزب الشعب الديمقراطي وحزب مصر العربي الاشتراكي وحزب الإتحاد الديمقراطي والذي اتهموا فيها البرادعي بارتكاب عدة أخطاء في دعوته للترشح للرئاسة على رأسها :
المساهمة في إحداث بلبلة في الشارع المصري بطرق غير دستورية عن طريق جمع توقيعات شعبية لتعديل الدستور ، والسير في ركب المزايدين الذين يريدون زعزعة الاستقرار في الدولة .
لايمكن للمرء حين تتهافت تلك الخرافات على أذنه إلا أن ينفجر ضاحكاً من هؤلاء الذين يدعون الإنتماء إلى صفوف المعارضة للنظام المستبد ، حيث إن المطالب الذي طالب بها البرادعي مدرجة على جدول طلبات المعارضة الحقيقية منذ تعديل الدستور المصري في العام 2005 .
لكن الحقيقة التي لايمكن لكبشان أن يتناطحا فيها أن الحزب الوطني نجح في إجهاض أية معارضة حقيقية ، ولم يترك على الساحة إلا أحزاب ديكورية في شكلها ، وفي مضمونها فروعاً للحزب الوطني المستأثر بالحكم منذ ثلاثة عقود .
هذه الأحزاب أحست بالخطر الداهم حين طرح رجل بحجم البرادعي رؤية المعارضة الحقيقية أمام الشارع المصري ، وشعروا بأن ثمة خطر يحدق بالخيرات التي تنهمر عليهم من الحزب الحاكم .
لا أتحدث هنا عن الأحزاب التي شاركت في تلك المهزلة المسماة بالمحاكمة الشعبية ، إذ أن موقف الأحزاب الأخرى لايختلف موقفها عن سابقتها ، بل إن أشد الأحزاب تشدداً إزاء أطروحات البرادعي تلك التي تدعى أنها الأكثر شعبية في الشارع المصري ، والأكثر نضالاً ضد النظام الحالي .
ولايختلف موقف الكثير من المستقلين عن موقف الأحزاب الديكورية ، فهذا الناصري المعارض يعلق على مايدور من صراعات على الساحة السياسية بشأن الانتخابات الرئاسية فيؤكد " أن حذاء الرئيس مبارك أحسن من مئة واحد يأتى إلينا من الخارج " ..
والآخر الثوري الذي بات ضيفاً دائماً على قنوات الدولة ، ويقدم بصفته مؤرخاً وكاتباً عملاقاً بالإضافة إلى صفته المهنية كرئيس تحرير لإحدى مجلات وزارة الثقافة التابعة للنظام المستبد !
إن البرادعي وإن لم يتمكن من تحقيق مانصبو إليه جميعاً من تعديلات دستورية تحقق حياة ديمقراطية حقيقية في مصر ، ومن ثم تكفل حياة كريمة لكل مواطن ، أشاع جواً من التفاؤل والأمل داخل المصريين ، وأثبت لنا وللعالم أن مصر تملك العديد من الكفاءات التي تتمنى خدمة الوطن في إطار عقلاني من الضمانات ، كذلك أثبت بما لايدع مجالاً للشك أن فكرة الوريث الوحيد لعرش مصر هي أكذوبة روج لها الحزب الحاكم .
الأهم من ذلك كله ، أن البرادعي أسقط الأقنعة عن كثير من الوجوه التي كانت تتجمل لنا بحسبها باحثة عن مصالح مصر والمصريين ، وهتك الأستار المسدلة على أضحوكة الحياة السياسية في مصر والتي يتشدق بها الحزب الحاكم في شتى محافله .
m_aboulazm@yahoo.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق