الجمعة، 18 مايو 2012

وقائع حزن جديد

tumblr_m47eaew5Cs1qczu30o1_500

ربما تحزن لأني لم أكتب عنها حين أحببتها، ولأني وعدتها مراراً أن أكتب عنها، وربما أحزن أنا الآخر لأني لا أكتب إلا حين أهوى في بئر الحزن.

خدعت كل مَنْ حولي حين قلت: لا شئ يوجعني

وكنتُ مذبوحاً، أنزف دماً وحباً. أبكى وحيداً دون خجل من الملائكة.

هويت من علو الوحدة إلى صليب الحب. مصادفة، علقت نفسي على الصليب، ورحت أرنو إلى شئ سماوي يملئ الزمان. كانت هى، على صليب آخر، تحبس دموعها، تردها إلى محجرها، بكل وقاحة، كى لا أراها.

لم أكن أنا القاضى، وإنما الجانى والمجنى عليه، لم أكن جلادها، بل كنت ضحية قلبها.

كانت تبكى وحيدة، مثلما، كنت أبكى وحيداً، وكأن القدر لم يمهلنا ثوان كى نرتاح فيها من تلك الثنائية الأبدية، اثنان يحسان بالشئ ذاته في وقت واحد، كأن يد سماوية قد شطرتنا إلى نصفين، كلُ منا يعيش في زمانه.

وعادت يد الزمان تعبث بنا، فأعادت شطرينا إلى ذات واحدة، التحم كل منا بالآخر، فصرنا روح واحدة في جسدين، وأحس كل منا بذاته المفقودة، ثم بطشت بنا يد السماء، دون خجل، وأعادتنا سيرتنا الأولى، وكأننا مقدر لنا أن نتحمل النزق الإلهي.

لماذا علينا أن نتحمل عبث الزمان ؟ لماذا علينا أن نذهب سوياً ويرجع كل منا وحيداً بلا صدر يأويه ؟ أيكون اختيار تلك اليد خير كما يدعون ؟ وأي خير في أن أفقد من أحببت؟ وأي قدر ذاك الذي يعبث بقلبين وحيدين تنفسا حبهما سويا؟

إنني عاجز عن فهم لماذا تصر تلك اليد على البطش بي رغم أنني قد رفعت رايتي بيضاء، سلمتُ قلبي إليها، موجوعاً، شارداً، شاحباً لا يقوى على حبٍ.

ومع ذلك أصرت أن تدفع بي مرة أخرى إلى هاوية الحب.

كنت على حافة الحب أرقص خجلاً، لا أريد أن أقترب، ولا أرغب في الابتعاد. هكذا اخترت لنفسي موضعاً بين بين، وظننت أن السماء قد تحنو علي، وترنو إلى حالي فتعفو عن قلبي، لكنها أصرت على ذبحي مرة أخرى، وكأن الموتة الأولى لم تكن كافية لأكفر عن كل حب اقترفته فيما مضى.

كانت هى الاخرى سماوية في وحدتها، تحدق في فراغها، تركض خلف سرابات الوحدة، مثقلة بقلب شفيف لا ندوب فيه من أثر التجارب العاطفية.

كان بيننا فراغات كثيفة، ركام من الوحدة، وشئ قليل من الكراهية، ربما تلك الكراهية الخفيفة بين اثنين لا يجمعهما عقل واحد، وربما قلب واحد أيضاً.

ومصادفة جعمتنا الأقدار في طريق واحدٍ، تهادينا على خطى من سبقونا فيه. أصدقاء بينهما ود ومحبة لا تتجاوز حدود هى فرضتها.

ومصادفة مشى قلبي إلى حافة الحب رويداً رويداً، دون نقاش بيننا قد يوقف كل شئ، غير أنه دوماً ما يدفعني إلى مهالك الحب عبر دروب الصداقة، ثم يبكى لأني أوجعه.

لا أعرف مَنْ مِنا المخطئ؟ أنا أم قلبي؟ فكلانا دوماً شريك للآخر في جريمة الحب.

منذ ارتاح قلبي لرؤيتها، أمسكت بمعول الحب لأهدم كل مسافة بيننا، ورحتُ أملئ كل الفراغات، وجاهدت كى أرفع ركام الوحدة من طريقينا.

على قدر اجتهادي في حبها، أحبتني، بصعوبة بالغة، قالت: أحبك.

فرحتُ كما لم أفرح من قبل، رغم ندبة قديمة في قلبي، تركتها امرأة أخرى.

لم أمهلها كثيراً، ولم تمهلني هى الآخرى، قالت: عليك أن تعد بيت الأبدية لنا، سنكمل طريقينا معاً.

كطفل سريع الاشتهاء، قلتُ: سأفعل ماتريد حبيبتي لكى يسعد الكون.

وكانت تلك الأشياء المحملة بتقاليد الأجداد السخيفة، وعادات مجتمعية أشد سخفاً، وانتهى الحلم هكذا دون عذر إلهي لما حدث ولما سيحدث فيما بعد.

بكتْ هى، وبكيتُ، دون التفات إلى نصائح الرجال، قالوا: لاتبكْ، فالرجال لم يخلقوا لهذا.

قلتُ: ولأي شئ خُلق الرجال؟

قالوا: خلقنا لكى نتحمل أوجاع الآخرين.

ولأننا محملون بخطايا الآخرين فعلينا أن نرضى بنزق الآلهة فى توزيع الأوجاع دون عدالة ظاهرة.


Share/Bookmark