الأربعاء، 1 أغسطس 2012

مناجاة عاشق (محاولة صوفية)

لا تدركها الأبصار، وهى تدرك القلوب العاشقة.

في تجليها تحتجب الملائكة خشية الاحتراق، وتشرق ألوهيتها على سماء دنيا عشّاقها، عاشق ذبل في حضرة مولاته، وعاشق تلاشى في ذاتها حتى صار في تجليها غيره، وعاشق شرى نفسه بالجهاد في حبها.

طفلة سماوية التكوين، تجلت في رحم السماء منذ الأزل، وخر عشاقها لها منذ القدم، فهى قديمة كالأزل، جديدة كالأبد، لها نعيمها وجحيمها، فإن رضت منحت، وإن رضت منعت، فالأمر كله لها، والعشق كله بيديها، والنور مشرق بين ثنايا كفوفها.

تجلت ذات يومٍ لي، وقد كنت في حضرتها منذ سنون مضت، ونهضت لأدرك نورها، فتعثرت في صفاءها، واتكأت على طفولتها لأنهض مرة أخرى لأدرك لحظة التجلى، فغرقت في لجة بحرها، ورحتُ بغير هدى أصارع أمواجها، رغم عتوها وشدتها، بقيتُ طافياً كالموتى من الأسماك.

غير أني أحيا في ضياءها، وأذوب فى ذاتها، حتى تتحد أرواحنا. وكان الاتحاد عسيراً، فرضيت بحلولها فيّ، ولم ترض بحلولي فيها، وقالت: كافرُ، رغب عن ملة آبائنا.

قلتُ: الحب دين آبائي وآبائك، والعشق مذهب أهل الحقيقة.

قالت: لا علم لي بمفرادتك، صوفي أنت، أم عاشق مجنون؟

قلتُ: محبٌ على بابِ حضرتك، ألمح طيفك، وأرغب في لحظة التجلى، فهل يؤذن لي بالولوج إلى عالمك؟

قالت: ما أدرك عاشق غايته إلا بالاختبار، وما وصل محبُ إلى فؤاد محبِه إلا بالاحتراق في النار.

قلتُ: محبُ أتاكِ على جواد الدهر تائباً، ونار العشق أولى بالمذنبين من العشاق، عِرفتُ قبلكِ وماعرفتُ، وعشقت قبلك وما عشقت، واكتويت بنار الحب حتى هويت إلى دركة العشاق.

وانطلق لساني في حضرة سيدتي، فبوحت بالكفر في داخلي، وأطلقت عنان إيماني بها، وسجيتُ جسدي على أرضٍ وقلتُ: ميت بين يدي سيدته، فإن أرادت أردتُ، وإذا شاءت شئتُ.

فمست على مهل يدي، وطاف نورها في باطني، فالتمع داخلي، وشعرت بنور ونار، فأشرقت بنورها، واكتويت بنارها، فبدت أشد مما بدت في تجليها الأول، واستحال طيفها طفلة تركض في باطن أجدب.

وتبسمتْ، ففتحت خزائن، وهبطت رحمات، واخضرت أرض باطني، ودبت حياة في قلب فارق الحياة، واشتعل باطني بالنور، فلفظت كفري، وفضحت إيماني.


Share/Bookmark