الخميس، 2 يونيو 2011

ليلة الخميس !

4cffaa7fc3 كان الخميس هو اليوم الأكثر قداسة في حياة محمد، يصحو مبكرا على غير عادته، ينثر أنفاسه المحملة بالفرح، يرى كل الأشياء حوله ترقص، سريره، مرآته، ملابسه، عطره، يرتدى ملابسه مسرعا، ويغدو إلى عمله لينجز مالديه من أعمال، وينهى ماتبقى لديه من ارتباط بحياته العادية.

يعود إلى بيته، ليبدأ يومه المقدس، طقوس طالما تعبّد بها كل أسبوع، يخرج بدلته الأنيقة من مخدعها، وبرفق يضعها على سريره، يضمخها بالعطر الذى تحبه!

يتحرك بخفة ورشاقة لاتناسب رجل في الأربعين من عمره، يفعل كل شئ بسرعة ودقة، وكأن شيئا ما ينتظره هناك في اللامكان!

يستقبل شظايا الماء على جسده بتحنان عجيب، وكأنه يحتضن ذرات الماء المتناثرة، يوزع سعادته وحبه على كل شئ، الماء، الهواء، الفراغ، العدم !

يلتقط بذلته، وأمام مرآته يقف ليرتديها، ينظر إلى جسده وكأنه يعرفه للمرة الأولى، كل شئ غريب في ذلك اليوم.

بعد أن ينتهى من ارتداء بذلته، ينثر عليها الرائحة التى تحبها ثانية! ويتأمل نفسه طويلا، يحدق في عينيه، شفتيه، فمه، بشرته، ويمس وجهه بحنو طفلٍ يتعرف على جسده!

كانت هى الأخرى، تفعل مايفعل، وتفكر كما يفكر، وتسرع كما يسرع، كانا يتحركان بروح واحدة وجسدين، تحب الأشياء كلها من حولها، ولكنها طبيعتها، فهى حنونة، دافئة، هادئة.

ارتدت فستانها الأزرق البديع، ووقفت أمام مرآتها تحدق في وجهه، كان جميلا، لكنه كان غائبا هناك، راحت تضبط فستانها البديع على جسدها الأكثر بداعة، فغدت أكثر ألقا وجمالا وبهاءً .

كانت رائحتها جميلة من غير عطر، أنفاسها مملؤة بالزهور، عينيها تبث رائحة غريبة، تستفز كل من حولها، كانوا يغارون منها ولكنهم يحبونها.

مسرعا نزل من بيته، ومسرعة صعدت إليه، كاد ينسى وردتها التى تعشقها، عند بائع الورود الذي تقاسما عنده ذكريات الحب وقف، وأخذ وردة واحدة، لطالما قالت له: محمد، أحب أن يهديني أحد وردة، لكن أحدا لم يفعل!

عانقت يداه الوردة، وركب سيارته مسرعا نحو المطعم الذي اعتاد استضافتهما يوم الخميس، ذكريات كثيرة منثورة على باب المطعم، نظرتها الأولى، عينيها ورائحتها الذكية، شفتيها الوردية، نظرتها التى أصابت قلبه .

دخل من الباب لاهثا، يبحث عنها، لايحب غيابها، كانت تجلس على يسار الممر القصير الذي يشطر المطعم إلى قمسين، هناك حيث الهدوء، والظلام الخفيف الذي يشقه خيط من نور، لايعرف أكان ذلك الخيط من عينيها أم من مصباحِ كهربائي.

حين رأها، ارتج قلبه، وسرت في قلبه رعشة، كانت كافية لأن يسقط مغشيا عليه، أي إمرأة تلك التى يسقط الرجال بحضرتها؟

حاول أن يتمالك نفسه، ومشى بخطوات وئيدة، التفتت إليه، ورمقته بنظرة حنونة، كانت توزع حبها على كل شئ، كم كانت جميلة تلك الليلة، وكل ليلة، صافحها ويده ترتعش، بينما كانت يدها دافئة، ناعمة.

سألته عن حاله، وعن عمله، وعن حياته، كان غائبا بحضرتها، هائما في ملكوت عينيها، ربتت على يديه، وقالت بأعذب صوت: محمد، مالك فيك إيه ياحبيبى؟

وكأن الدنيا قد انسحقت تحت قدميها، والأرض قد زالت، والسموات قد طويت، ولم يعد على الأرض غيرها،والعدم!

حضر العشاء، وجلسا يأكلان سويا، هو لايأكل، هو ينظر إليها فحسب، تبتسم فيبتسم، تتكلم فيتكلم، تصمت فيصمت.

خرجا من المطعم، ويده تلثم يدها، كطفلين صغيرين سارا سويا، يضحكان من القلب، يتذكران يوم انقطع حذائها وهم خارجين من المطعم، يتبادلان النكات، يعلو صوت ضحكاتمها، تماما كطفلين تحررا من كل العالم، لم يعد حولهم سوى العدم !

عند منتصف الليل، ركبا سويا السيارة، واندفع يقود بجنون، هى تحرره من كل شئ .

وصل بها إلى مكان عجيب، المقابر! .. أخذها من يدها، وطبع على رأسها قبلة، وضمها إلى صدره طويلا، وقد امتلأت عينيه بالدمعات الدافئة، ثم وضع على قبرها الوردة، ورحل!


Share/Bookmark

6 التعليقات:

محمد صلاح يقول...

بجد بجد ومن غير مجامله جامده

hala يقول...

يا سلام شو حلوه ..لو تعرف قديش كنت مستمتعه وانا اقرأها...على فكره كلامك عن نشأتي المحافظه هو صحيح ..وصعب كتيير اني اغير من حالي ..لاني حاولت مره ان اغير افكاري واتجاهاتي وجدت نفسي ضائعه ..وانا مش انا
كنت اتمنى ان تكون هذه القصه بالذات طويله لانها رائعه

محمد أبو العزم يقول...

أهم حاجة تكوني انتي ياهالة .. مادام انتى متسقة مع نفسك ومستريحة إنك كده خلاص .. ولايهمك العالم كله ..
وللأسف أنا بحب أكتب قصص قصيرة عشان بتركز على جانب إنساني واحد .. مش بحب أطول عشان مافقدش الحتة الإنسانية اللى في القصة .

غير معرف يقول...

تعابيرك رائعه..اعجبني ذلك الوصف المليء بالحكايات والصور..حتى ظننتني اراه..بكل حركه وسكنه كان يفعلها لكن شيئا ما اخبرني انه كان على موعد مع ذكرى امراه...

اعمق تحيه



اسيره العشق

ميادة يقول...

انا قرتها اول مرة انت كتبتها وكل فترة ادخل تاني اقراها واطلع .. المرة دي كان لازم اعلق واقلك أنك مبدع يا مفكر ...

crazy yoyo يقول...

7araaaaaaaaaam

إرسال تعليق