الخميس، 12 يوليو 2012

مغالطات في مقال عبد الرحمن يوسف

arahman كتب الأستاذ عبد الرحمن يوسف مقالاً في جريدة اليوم السابع تحت عنوان “أفكار خاطئة عن حرية الاعتقاد” وعرض فيه رأيه في  اعتناق بعض الأديان والمذاهب التى تخالف المزاج العام المصري، ولأن الأستاذ عبد الرحمن له مكانته كشاعر وكشريك من شركاء الميدان آثرت أن أناقش ماكتب في حدود ماتسمح به حرية الرأي دون تجريح أو تسفيه لرأي أو لشخص.

بداية اتفق الكاتب أن حرية الاعتقاد مكفولة وفقا للقانون وحسبما جاء به الشرع، وهنا نقطة تلاق وركيزة ننطلق منها لنناقش ماكتب موفرين الجهد الكثير لإقناع الأستاذ بماهية حرية الاعتقاد. 

الحرية أولاً هى التحرر من كل القيود والأغلال التى ُتفرض على الإنسان من خارجه، حيث أن الحرية الحقيقية هى التحديد الشخصي بمعنى أن يكون القرار والاختيار نابعان من داخل الشخص لا مفروضان عليه، وفي حرية الاعتقاد يصير الأمر أكثر تعقيداً وتشدداً، ذلك أن أمور الإيمان هى حاجة شخصية بحتة لا يمكن لأي كائن أن يتدخل فيها أو يفرضها على إنسان بأي صورة من الصور.

وذلك لأن فرض أمور الإيمان على الأشخاص يحيل هؤلاء الأشخاص من مؤمنين بعقيدة -وإن كانت تبدو لي خاطئة- إلى منافقين يظهرون خلاف مايبطنون درءً لبطش الدولة أو المجتمع.
ولأن الله قد ترك لنا مساحة واسعة في اختيار مانعتقد وأرجأ أمر الحساب إلى القيامة فلا ينبغى لبشر أن ينصب من نفسه إلهاً أخر يفرض على الناس ديناً أو مذهباً  تحت زعم حماية الدين أو حتى حماية الأمن القومي.

يقول الأستاذ عبد الرحمن أن البعض يخلط بين حرية الاعتقاد وحرية التبشير، وبدا لي من سطوره أنه يرفض حرية الاعتقاد مادام يلازمها حق التبشير، والأمر هنا لا يبدو خلطاً من الأستاذ بل يبدو خلطاً عليه، فقد اختلط عليه الحق في الاعتقاد والحق في التعبير والبون بينها شاسع.

فإذا كان الكاتب يؤمن بحق الاعتقاد فعليه أن يؤمن بحق الإنسان في عبادة الشمس والقمر والنجوم، أما الحق في الدعوة إلى المعتقد فتلك مرحلة أخرى تندرج تحت الحق في التعبير عن الأفكار والأراء والمعتقدات، ولا أظن أبداً أن كاتباً وشاعراً عارض ديكتاتوراً يمكن أن يقيد حرية التعبير تحت أي مسمى من المسميات الهلامية التى تشبه فقاعات الأنظمة المستبدة لضمان بقاءها.

ذلك أن باب الأغلال إذا فتح ضماناً لحماية بعض المقدسات سواء دينية أو سياسية فإنه لن يغلق حتى يلتهم كل مايقع في طريقه من حريات، فيصبح المعارض خائناً لأنه يمس أمن الدولة المتمثل في رئيس الدولة الذي يمثل الدولة، ويصبح القائل برأي مخالف لرأي المؤسسة الدينية الرسمية مارقا من الدين لأنه أهان المؤسسة التى تحمل الرسالة الدينية.

وهكذا ننتقل رويداً رويداً تحت مسمى حماية الأمن القومي أو حماية المقدسات الدينية أو الحفاظ على النسيج الوطني إلى العصور الوسطى لنجد رجالاً يسجنون ويقتلون لأن بعضهم قال بخلق القرآن وأخرين قالوا بآزليته!

إن الدولة المدنية -العلمانية- تكفل لكل إنسان الحق في المعتقد وكذلك الحق في التعبير عن الأفكار، ولا يمكن أن تكون الدولة مدنية ديمقراطية دون كفالة تلك الحقوق، فقد اتفقت الإنسانية فيما بينها على ضمانات أساسية لبقاء البشرية تضمنت ما سمي بالحقوق الأساسية وعلى رأسها الحق في الاعتقاد والحق في التعبير وحق المسكن والملبس وغيرها.

إن انتزاع حق من حقوق الإنسان حفاظاً على تربة الوطن من العبث بجيناتها يدفع بالوطن إلى هاوية الدولة المستبدة سواء بإطار ديني أو سياسي، حيث تخلق الدولة أصناماً لا يمكن المساس بها، ويصير المعارض لها إما خائناً أو كافراً.

يقول الكاتب: “حين يتحدث اليوم بعض الأشخاص عن حرية البعض فى اعتناق المذهب الشيعى، أو فى عبادة الشمس والقمر والنجوم... إلخ، نحن هنا لا نتحدث عن حرية الاعتقاد، بل نحن نتحدث فى صميم السياسة والأمن القومى المصرى”

وأقول إن من صميم السياسة والامن القومي المصرية حماية حق كل مصري في اعتناق ما يشاء من أديان ومذاهب بحيث تبقى مصر السماء التى تظل كل المصريين باختلاف معتقداتهم وأفكارهم، ولا ينفذ بعض من لا يحبون الخير لمصر من باب الأقليات المقهورة، ولك في السودان عبرة ياسيد عبد الرحمن.

ثم يضيف: “أغلق باب بيتك، واعبد ما شئت، واكفر بما شئت، ولكن من حق المجتمع والدولة أن تتخذ جميع الإجراءات حين تكتب مقالة، أو تنتج فيلما، أو تؤلف رواية، أو تبدع قصيدة، أو تؤسس حزبا..”
وهذا رأي لا يختلف عن رأي الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في الفن، أغلق عليك بابك وارسم او اكتب أو غنى ماشئت ولكن لا تنشر ما أبدعت على الناس لأنه يمس المزاج العام المتدين بطبيعته.
وقد أسلفت لو فتح هذا الباب على مصراعيه لأندفعنا إلى هاوية تفكيك الحريات لصالح استبداد قلة حاكمة أو رأي عام ليس بالضرورة صحيحاً.

ولست بصدد تذكير الأستاذ بما دار بين الرسول والمشركين من حوارات ومناظرات تندرج بالتعريفات الحديثة تحت حرية نشر المعتقد، قد استنكر الله في كتابه على المشركين أنهم كان يصمون آذانهم عن سماع الرأي الأخر اعتقاداً منهم بصحة ماجاء به آبائهم، ووبخ الله المشركين لأنهم منعوا الرسول عن الجهر بالحق، رغم أنه لم يكن في ذلك التوقيت حقاً جلياً ظاهراً.

ثم يختم الأستاذ عبارته السابقة بجملة عجيبة حيث يقول: “المعتقد الدخيل على البلد” ولا أعرف في الدنيا بلداً لها معتقداً أصيلاً ومعتقداً دخيلاً فمصر انتقلت من الوثنية إلى التوحيد إلى المسيحية إلى الإسلام والمسيحية معاً ولم يقل أحداً بأن ثمة معتقد أصيل ومعتقد دخيل، فالمعتقد يبقى معتقداً دون حسابات سياسية تفرق بين الأصيل والدخيل.

ويذهب الأستاذ عبد الرحمن إلى التجربة الأفغانية مذكرنا بأنها كانت بلد هادئة وجميلة لولا بعض الشيوعيين والملحدين الذين اعتلوا سدة الحكم وفرضوا تقدميتهم على الناس فاختلت الدولة حتى أضحت معقل طالبان !

وليكن الأستاذ رحب الصدر ويتقبل أن نقول له لقد أخطأت في الدليل وفي استنباط الحق من بين ثناياه، فالتجربة الأفغانية لم تفشل بسبب حكم الملاحدة والشيوعيين بل أفسدها تيار معين أراد فرض نمط معين من الحياة على الناس، وأخذ بالبلاد إلى العصور الوسطى ظناً منه أنه يحمى الدين من براثن الشيوعية والإلحاد.

إن القضية هى في كلمة “فرض” سواء كان المفروض شيوعية أو إسلامية أو غيرها، إن قضيتنا التى ندافع عنها ونناقش فيها الكاتب هى حرية الناس في الاختيار، ولعل مادلل بها الكاتب يقف في صفنا ولا يدعم رأي الكاتب.

وأنتقل مع الأستاذ إلى مطالبته الدولة بالتدخل في أمر التبشير، لحماية البلاد والعباد من الاخطاء الخارجية التى تتهددها عبر المذاهب “الدخيلة” ماهو الدور المنوط بالدولة القيام به إزاء التبشير؟ هل تمنع الدولة التبشير تماماً وتندرج الدعوة الإسلامية تحت مظلة المنع ؟ هل تسمع الدولة للأقباط الأرثوذكس بالتبشير لأن دينهم ليس “دخيلاً” على الوطن ؟ هل تختار الدولة مذاهب معينة وأديان معينة تسمح لها بالتبشير وتحجب البعض الاخر ؟

إنني لازالت في حيرة مذ قرأت ماكتب الأستاذ، ولا أعرف كيف يمكن لكاتب وشاعر أن ينحو هذا المنحى في مطالبة الدولة بتقييد الحق في التعبير عن المعتقد، وكيف ينادى بتدخل الدولة في أمر من الامور الشخصية، وهل يسمح الأستاذ بتدخل الدولة في منع أنماط الملابس الغربية لحماية نسيج الوطن من العولمة والعلمنة الغربية ؟ وهل يرضى الأستاذ أن تفرض الدولة لغة معينة للكتابة والقراءة على عموم المتدينين لصيانة لغة الدولة ؟ 

إن هذا الرأي -كما أسلفت- يقود مصر إلى حافة الاستبداد ويجعل من الدولة إلها آخر يحاكم البشر فيما يعتقدون وفيما ينشرون، وأرى أن الأستاذ قد جنح برأيه إلى الرأي السلفي في دور الدولة، وهذا لايعنى أن الأستاذ قد تسلف، فلست من الذين يؤمنون بالثنائيات الناشئة عن النظرة الاحادية للأمور.

وأخيراً أذكر الأستاذ بما قاله الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه “نقد الخطاب الديني”: لدينا مشكلة هي أننا باستمرار خائفون على الإيمان، كأن ما لدينا هو إيمان معلول يحتاج إلى حماية. الإيمان لا يحتاج إلى حماية لأنه الاقتناع.


Share/Bookmark

12 التعليقات:

raafatology يقول...

well said ya Zizo
انا كتبت التعليق بالانجليزى عشان عارف انك ما بتحبش العربى قوى :))

محمد أبو العزم يقول...

الكومنت ده موتني من الضحك ياخواجه

حسن يحيى يقول...

ايه الجمال ده :) ؟!

محمد أبو العزم يقول...

شكراً ياحسن ده جمالك :)

غير معرف يقول...

الكاتب الأول ينطلق من عباءة الدين و يري ما يراه الدينيون الذين لا يفهمون شئ خارج الدين و المنغلقين على أنفسهم...
فجه الكاتب الثاني المغوار و قال له لأ إنت فاهم غلط... و تفائلت خير و إذا به يقول إنت فاهم الدين غلط... و ممكن برضه من خلال الدين يبقي فى حرية دين...
و طبعاً النتيجة مضمونة ... و هي أن الأخير هايصفقوا له أكثر من الأول لأنه حط الدين فى مكانة أفضل...
و السؤال الحقيقي.... كيف عرفت أن هذا الدين أصلاً ذو قيمة؟
الاجابة الحقيقية لا أجرأ أن أسأل نفسي هذا السؤال...
الاجابة المجفوظة بالدراسة و المقارنة... و الاجابة النموذجية ... بالضمير.... قرأت و حكمت ضميري...

تختارون الدين بالضمير و تحكمون على ما سواه بلا أى ضمير بئس الضمير!
Anthonysaroufim@gmail.com on FB and Twitter

Oumda يقول...

بين الحق والمسئولية وظيفة العقد المصري الجديد: الدستور
لهذا يجب طرح الموضوع للمناقشة وصياغة العقد الذي يمنع التعارض ما بين الحق والمسئولية دون أن يجور أحدهما على الآخر .. فمصر التي يريدها من ينادي بالحرية المطلقة سماءاً تظل جميع المصريين بإختلاف عقائدهم ، قد لا تكون هي مصر التي نعرفها إذا أطلقت هذه الحرية وإستغلها أعدائها ، فقد نجد أنفسنا في لبنان أو العراق مثلا ..
إن من يدافع عن وجهة نظر إطلاق هذه الحرية دون أدنى قيود متذرعاً بأن غير ذلك يبرر لكفار قريش ما فعلوه بالمسلمين الأوائل يهمل أو يتجاهل أن الإسلام في أوله وكذلك المسيحية واليهودية قد واجهوا من العنف والإيذاء والكبت ما لم يواجهه أي دين آخر .. وإنتصروا رغم كل ذلك .. فعلى من يريد أن يتمتع بحريته في نشر عقيدة جديدة أن يكابد مثلما كابد هؤلاء الأوائل .. لا أن يمتطي إنجازهم ليدمر عقيدتهم .. أليس ذلك عدلاً من ربكم؟!!!

غير معرف يقول...

دعنى إذا أن أحاول أن أقنع أختك أو زوجتك بخطورة الكبت الجنسى ورجعية مفهوم الفضيلة والعفاف .. أو أن أحاول أن أقنع أولادك القصر بعبادة الشيطان لأنه مظلوم أو ترك التعليم لكونه طريق اخره سراب .. هل تقبل بذلك

غير معرف يقول...

رائع جداً

Unknown يقول...

رائعة

moman2011 يقول...

لماذا دائماً ما نحاول ان نتكلم عن الحرية على انها قاصر و ان الدين يحتاج الى حمايه الدولة ما دخل الدولة بما يعتنقه المواطن ؟؟ مره اخرى نصل الى مربط الفرس هو في دين للدوله ؟؟ نعم لان في السويد مثلاً لن تاخذ اجازة في عيد الفطر و لا عيد الاضحى بينما سوف تلتزم اذا كنت تعيش هناك باجازة عيد الميلاد المجيد اذا سواء تشدقنا او اقتنعنا بان الدولة ليس لها دين فان واقع الامر سوف يفرض نفسه و تجد الدولة الملحده كبريطانيا بتاخذ اجازة في الكريسمس و الملكه بتحلف على الانجيل و بتذهب الى الكنيسة . الان هل من الممكن ان يبشر مسلم بالدين الاسلامي في السويد او في بريطانيا ؟؟ والاجابه اعتقد واضحة اي موضوع يمكنك ان تتحدث فيه في هذه الدول بما في ذلك الدين ، و حسب اعتقادي هذا يشمل كافه دول العالم الغربي و لكن هل من الممكن ان تذهب و تشتري ارض و تبني مسجد دون اذن من الدوله ؟؟ هنا يصبح للدوله دور لان المبنى يقع على ارضها و الحل ان يضيق هؤلاء على المسجد و يطلبوا الف ورقه. وتظل دولتهم ملحده لا علاقه لها بالدين و انما تتدخل لتنظيم المباني. على اي حال موضوع الحريه محسوم من يوم خلق الله الارض و من عليها لكل بشر حريه في ان يعتنق ما يشاء و لكن كل نشاط عام او عمل يستلزم مشاركة الاخرين لابد للدولة من تنظيمه و ليس منعه و مراقبته بما يتفق مع نصوص ممارسه الحقوق و الحريات العامه في هذا البلد . الامر اذا هو مراقبة و تنظيم و ليس منع ، والا فا يمنع الغرب من منع نشر الدين الاسلامي هناك و غلق المساجد و هم هنا ربما يكون لهم حجه اقوى فالارهاب و الدعوات التي تخرب عليهم مجتمعاتهم تمت بالفعل و ليست مجرد توقعات و استنتاجات قد تخطئ و قد تصيب.

shams يقول...

للحرية ميزان ,, بمعنى مفهومك للحرية غير مفهوم واحد تانى اتربي فى بيئة مختلفة وعنده مفهوم مختلف عنك
أكيد هتختلفوا فى تعريف الحرية والوصول لحدود الحرية

بعدين طالما ستعطيهم حرية ﻻبد إنك تعلمهم قدر المسئولية اللى هتقع عليهم مقابل الحرية
ﻻ اظن الحرية المطلقة فى اﻻختيارات فجأة لشعب اﻻمية منتشرة فيه هيدينا نتائج إيجابية

انا متفق على حرية اﻻعتقاد ونشر الفكر او الديانة ومش مضايق لأنى متأكد إن الفكرى اﻻقوي هو اللى هيكون ليه اﻻغلبية والفائز فى مناظرات اﻻفكار

لكن امته تعمل ده اظنها مرحلة ليست مرحلة ثانوية فقط ولكن ما بعد الثانوية كمان
بس كده

Räumung Wien يقول...


مدونة مميزة
كل تقدير واحترامى لكم ... :)

إرسال تعليق