الاثنين، 23 يوليو 2012

الرجل الودود عمر سليمان واللواء السلفي

عمر-سليمانعلّق رون سوسكيند في مجلة التايمز الأمريكية على وفاة رئيس المخابرات المصرية السابق عمر سليمان قائلاً:”إنه رجل خير وودود، إنه يعذب الناس الذين لا يعرفهم فقط”. وفي سياق آخر نشرت جريدة البديل الإلكترونية خبراً عن حزب الأصالة السلفي وابتدأت الخبر “وصف اللواء عادل عفيفي, رئيس حزب الأصالة السلفي, ومساعد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي” وقد استوقفتني العبارتان كثيراً وتأملتهما لشئ لم أكن أعلمه، تحمل هاتان العبارات دلالة هامة ربما يعسر استجلائها للوهلة الأولى، لكن، مع المزيد من التفكير ربما يلوح لك رابطاً قوياً بين العبارتين.

العبارة الأولى تحمل معنى السخرية من الشخصية الأكثر غموضاً في العقود الماضية، الرجل الذي لم نسمع له صوتاً طوال خدمته في المخابرات، إذ كيف يجتمع معنى الخيّر والود مع التعذيب؟ ويتجلى أكثر دلالة العبارتين في العبارة الثانية حيث تصف رئيس حزب الأصالة “السلفي” بالمساعد الأسبق لوزير الداخلية حبيب العادلي.

وهنا تكمن دلالة ربما لا نلتفت إليها عند القراءة العابرة للخبرين، ذلك أن استعمال معانى أخلاقية\دينية في وصف بعض الشخصيات أو الأفعال مع ظهور أفعال\أوصاف لتلك الشخصيات على النقيض تماماً من الأفعال الأخلاقية\ الدينية يحمل ازدواجية لطالما حارت العقول في فك اللغز حولها.

إن العبارة الأولى بما لها من دلالة ساخرة استخدمها الكاتب،والعبارة الثانية بواقعها المؤلم، تعرى مجتمع “التدين الكاذب”، المجتمع الذي يغرق إلى أذنيه في دركات الاستبداد والاستعباد مطلقاً أوصافاً أخلاقية ومستعملاً مظاهر دينية لترسيخ الاستبداد وتعميق معنى السلطوية عبر تغليف الاستبداد والسلطوية بمسحة دينية.

عمر سليمان ذلك الرجل الذي وصفته مجلة النيوريوك تايمز بأنه رجل المخابرات القوى الذي تعرفه العامة، لكنها لا تعرف عنه الكثير، فالرجل عاش حياته محاطاً بغموضٍ شديد، حتى واقعة اغتياله أيام الثورة لفها الغموض وأحاطت بها الكثير من الشكوك، والرجل نفسه صمت ولم يفصح عن حقيقة العملية، وكأنه كان منتشياً بهالة الغموض التى تظله أينما حلّ.

عمر سليمان اشتهر في الأوساط السياسية برجل العلاقات المصرية-الاسرائيلية، لم يكن أحداً غيره يأمن له مبارك لإدارة أي ملف يخص تلك العلاقات، ربما لما قيل عنه أنه كان يحمل نفس العداء الذي يحمله مبارك للحركة الإسلامية في مصر وفلسطين، وبالارتباط الروحي القائم بين الحركتين.

عمل سليمان على إفشال المفاوضات بين فتح وحماس، وكان الذراع المصرية\الإسرائيلية لإفشال أي مفاوضات حقيقية بين طرفي الصراع في فلسطين، بل كان الرجل أقرب إلى طرف السلطة الفلسطينية المرضي عنها من الجانب الإسرائيلي.

ولطالما حمل الرجل حماساً شديداً لتطويق قطاع غزة، وحصار الحدود مع مصر، لا كما كان يشاع حماية للأمن القومي المصري، فعدد القتلى في ذلك التوقيت من الجنود المصريين على يد الإسرائيليين، دون رد واضح من القاهرة، يقودنا حتماً إلى حالة الانبطاح أمام الكيان الصهيوني.

وفي الشأن الفلسطيني أيضاً، عُرف عن الرجل أنه كان يشرف بنفسه على عمليات تعذيب الفلسطنيين المعتقلين في مصر، كما أنه عمل في برنامج تعذيب المطلوبين للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أسلفنا نشر تعليق نيويورك تايمز على التعذيب بالوكالة الذي كان يديره سليمان عبر المخابرات المصرية.

ويبدو في موقف سليمان من طلب الولايات المتحدة عينة من محمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري القيادي بالقاعدة مدى “كفاءة” الرجل في أداء عمله، حيث عرض على الولايات المتحدة إرسال “ذراع” محمد الظواهري كاملة لأخذ العينة اللازمة من الـ  (DNA).

كان عمر سليمان رجلاً “مخلصاً” و “جاداً” في عمله، لم يكن يكترث بأي شئ سوى أداء عمله على أكمل وجه، ولو كان العمل يقتضى تعذيب الآلاف وسحق المعارضين وبث الفرقة بين الفلسطنيين لبث الطمأنينة داخل أصدقاءه في الكيان الصهيوني.

ربما يستغرب استخدامي لكلمات مثل “مخلص” و”جاد” في وصف الرجل، لكن تلك الازدواجية هى التى نغرق فيها منذ وفاة الرجل، فالبعض يدعونا للترحم عليها والدعاء له بالرقود في سلام، لأن هذا موقف إنساني بغض النظر عما اقترفته يد الرجل من جرائم كان يجب أن يحاسب عليها، لا أن يخرج بكل وقاحة معلناً ترشحه لرئاسة الجمهورية.

إن الحماس الذي قوبل به ترشح سليمان من قبل الكثير من الدوائر الاجتماعية يشى بشئ مما أتعرض له الآن، ازدواجية المجتمع إزاء مجرم، غلف البعض جرائمه بإطار أخلاقي من نوعية أنه كان مخلصاً وجاداْ وكان عقله دائماً مشغولاً بحماية الامن القومي المصري، متجاهلاً أنه كان يحمى الامن القومي من المصريين ويحمى الحدود من الفلسطنيين، بينما يدير ظهره للدبابة الإسرائيلية غاضاً طرفه عما ترتكبه من جرائم على الحدود.

وعلى الطرف الأخر يقف المساعد الأسبق لوزير الداخلية المدان بقتل المتظاهرين ملوحاً بسيف الدين، وكأنه الحامى للدين بعد مئات السنين، ومع أن سيادة اللواء كان يقف إلى جوار القاتل حبيب العادلي إلا أن سيادة اللواء بعدما أطلق لحيته، ووضع نفسه في إطار التدين تناسى كل ما اقترفه الوزير وهو إلى جواره وخرج شاهراً سيف حماية الدين.

إن سيادة اللواء الذي ظل صامتاً طوال فترة خدمته مع الوزير القاتل خرج ليؤسس حزباً دينياً يكرس الفكر السلفي الذي كان الكثير من أعضاءه في سجون حبيب العادلي، بينما سيادة اللواء يجلس في مكتبه يلقى بالتحية العسكرية للوزير القاتل، ورغم ذلك لم تثر أي نوازع دينية في سيادة اللواء.

التدين الكاذب وحده يقف وراء صمت اللواء السلفي عن جرائم العادلي، فبعض الصلاة ولحية بعد المعاش ربما تمحو تاريخ طويل من تكريس الاستبداد عبر ألة أمنية كان اللواء السلفي أحد تروسها التى تعمل بكفاءة لمنع الناس من تنفس الحرية أو التطلع إلى العدل.

إن الدعاء بالرحمة لسليمان، أو الصلاة عليه، يبقى موقفاً شخصياً، لكنه يحمل دلالة هامة في حالة الازدواجية التى يعانى منها الكثيرون في المجتمع، حيث أن مقاصد الدين تغيب وراء مظاهر فارغة، وتبقى اللحية والجلباب أهم من العدل والحرية.

إننا بصدد ظاهرة يجب التوقف عندها كثيراً، والتأمل في مظاهرها في المجتمع المصري، قبل أن ترسخ آلة الاستبداد الديني مظاهر التدين الكاذب لتصبح صلاة الرئيس أهم من عدله.


Share/Bookmark

1 التعليقات:

مدونة وظفني يقول...

تحياتي لك مقال مميز

إرسال تعليق