الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

محاولة لفهم الصراع حول الشريعة

02_11_2012_70464697580_407638

على الأقل في فترة قصيرة جدًا قد تناهت إلى مسامعك كلمة “الشريعة” ربما مرة أو اثنين أو أكثر في اليوم الواحد. صراع في الاستفتاء على تطبيق الشريعة وآليات تأخذك إلى الجنة بينما أخرى تلقى بك في جحيم النار. الفيصل بين الجنة والنار آنذاك كان الالتحاق بركب التيار المنادى بتطبيق الشريعة، بينما  الخسران المبين في اتباع سبيل العلمانيين الذين يرفضون تطبيقها بهذا الشكل.

من هنا أضحت الشريعة فيصلاً يفرق بين أيدولوجتين إحداهما تنادى بتطبيقها والأخرى تحذر منها، ونشب صراع كبير حول “الشريعة” وغزتْ الكلمة كل وسائل الإعلام بكثرة منذ الاستفتاء وحتى الصراع حول الدستور في الجمعية التأسيسية.

وفي محاولة للولوج إلى أصل الصراع ينبغي علينا أن ندرك ماهى الشريعة وماهى حدودها وكيف ينادى بها أناس إلى حد تكفير الآخرين وكيف يرفضها أناس إلى حد تجهيل الآخرين وكلاهما يزعم الانتماء إلى ذات الدين.

ينقسم الدين الإسلامي إلى شطرين أولهما العقيدة وثانيهما الشريعة. وتحت هذين العنوانين عناوين كثيرة وتفاصيل لا حد لها سنعرض لبعضها لاحقا.

العقيدة هى أصل الدين، هى الإيمان الذى وقر في القلب، والإيمان بمعنى التصديق، أي أنك مصدق بالله ورسله وملائكته وكتبه، وهنا اختلافات كثيرة حول مدى التصديق هل يكفى فقط بالقلب أم يجب أن يتابعه العمل على خلاف كبير بين الفرق الإسلامية.

والعقيدة تقسم إلى إلهيات (صفات الله)  ونبوات وسمعيات (غيبيات)، وهذا تقسيم المعتزلة والأشاعرة والماتردية بينما يختلف الأصوليون في هذا التقسيم ويقولون بالنص القائل أن العقيدة إيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته والقدر خيره وشره، وكتب الأصوليين مقسمة بحسب هذا الترتيب.

والمفترض أن كل المسلمين يؤمنون بعقيدة واحدة في الله وكتبه ورسله وقدره، لكن نتيجة لظروف تاريخية عدة يغلب عليها الطابع السياسي لا سيما في العهد الأموي، انقسم المسلمون في الاعتقاد إلى فرق إسلامية عديدة وكان لكل منها قول في صفات الله وفي القدر.

والاعتقاد محله القلب، لا إكراه فيه، ولا وصاية لأحد على أحد فيه، غير أن هذه العبارة بتلك البساطة غير متفق عليها أيضاً بين الفرق الإسلامية، ففي سياق التاريخ الإسلامي أجبر المسلمون على اعتناق عقيدة الحاكم ونال المخالفين من التعذيب والقتل الشئ الكثير لمجرد اختلافهم مع الحاكم في الاعتقاد مما أدى إلى اختلاف سياسي هدد كرسي الحاكم، أبرز تلك الحوادث ما كان فيما سمي بفتنة خلق القرآن.

مصادر التلقى في الاعتقاد:

أما من جهة الاستدلال على تلك المباحث فالمعتزلة مثلا يقدمون العقل في الإلهيات والنبوات والسمعيات يقول القاضى عبد الجبار متحدثاً عن طبقات الاستدلال عند المعتزلة (الدلالة أربعة : حجة العقل ، والكتاب ، والسنة ، والإجماع ومعرفة الله لا تنال إلا بالعقل).

بينما يخالفهم أهل الحديث في هذا الترتيب ويقولون بتقديم الكتاب ثم السنة في أمور الاعتقاد ويجوزون الاستدلال بأحاديث الآحاد (بخلاف الحديث المتواتر، حديث يحتمل الشك لقلة رواته في طبقة ما) في العقيدة ويزعمون أنها تفيد العلم على خلاف أهل الرأي الذين يقولون أن أحاديث الآحاد تفيد الظن. بمعنى أن أهل الحديث في أمور الاعتقاد يحتمون بمظلة النصوص ولا مكان للعقل إلا من جهة موافقته للنص أما حين يقع التعارض فإن النقل مقدم على العقل بلا شك.

الشريعة:

الشريعة تنشطر أيضاً إلى قسمين عبادات ومعاملات، والعبادات توقيفية بمعنى أنه لا زيادة فيها ولا نقصان عما ورد في النص القرآني أو النص المفسر له (الحديث) كالصلاة والصيام والزكاة، وثمة صراع حول تلك النقطة بين الصوفية والسلفية في استحداث طقوس يعتبرها السلفيون عبادات ولذا يرفضونها ويبدعون أصحابها بينما يرى الصوفية أنها من قبيل السنة الحسنة كما ورد في النص الشارح (الحديث) على لسان الرسول.

المعاملات ويقصد بها ما ينظم العلاقة بين الناس في شئون حياتهم وتنقسم إلى أحكام الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق وما إلى ذلك، أحكام المعاملات المالية كالبيع والإجارة والرهن وغير ذلك، أحكام غير المسلمين في الدولة الإسلامية، أحكام الجنايات، وغير ذلك مما يندرج تحت مظلة ما يسمى بالقانون المدني العام والخاص بتعبيرات العصر.

مصادر التلقى:

ويقصد هنا بمصادر التلقى المصادر التى عنها يأخذ المسلمون تلك الاحكام، وهنا انقسام كبير بين المسلمين مثلما هم دائما منقسمون مثلما رأيت في ثنايا الشرح المبسط أعلاه، وهذا القسم يختص به علماء أصول الفقه.

اختلف العلماء في مصادر التلقى بالنسبة للأحكام فمنهم من قال القرآن والسنة والإجماع والقياس، ومنهم من زاد وقال الاستحسان وزاد آخر وقال فعل الصحابي ما لم يخالف غيره ومنهم من قال فعل أهل المدينة ويمكن الرجوع إلى منشأ الخلاف وكيف تطور بين أهل الرأي والحديث في بحث الدكتور نصر أبو زيد المسمى (الإمام الشافعي وتأسيس الأيدولوجية الوسطية).

ومن ثم لا يتفق علماء الأصول فيما بينهم على مصادر التلقى فمنهم من يقدم العقل عموما على كل نقل كالمعتزلة ومنهم من يقدم الرأي (العقل) على السنة باعتبارها نصا شارحاً وليست وحيا كالأحناف مثلاً ومنهم من يأخذ الترتيب السالف في أول هذا القسم باعتباره الأصح وهم عموم أهل الحديث.

وكلما تقدمت بك قراءتك ستتعثر في اختلافات كثيرة بين علماء الأصول في مسائل القياس والاستحسان وعمل الصحابة وعمل أهل المدينة وغير ذلك من الأدلة التى جاءت لتوسيع دائرة النص من جهة ولتعطيل العقل من جهة أخرى.

الشريعة والتطبيق:  

إذا نحينا العبادات جانباً باعتبار أنها توقيفية ومحلها القلب شأنها شأن الاعتقاد، وهذا افتراض مثالي فالأصوليون مثلا يرون فرض الصلاة على كل من يعتنق الإسلام ويعاقب إذا ترك الصلاة وتسيّر جماعات تأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر!

وعلى هذا فإن الشريعة\الاحكام هى محل النزاع بين الطرفين المتشتبكين في مصر، أو بتعبير أدق الصراع هنا ناشبُ بين القانون المدني وما يجوز أن نطلق عليه القانون الديني أو المستمد من نص ديني.

ولكن ثمة مشكلة أخرى يقودنا إليها مصطلح القانون الديني، فعلماء الشريعة متفقون فيما بينهم على عدم جواز تقنين الشريعة، بمعنى ألا تخرج في صورة قوانين كما هو الحال في القانون المدني، وإنما تظل على حالها الذي يزعمون أنها عليه منذ 1400 سنة ويظل القاضى الشرعي هو المنوط به الفصل في المنازعات وليس القاضى المدني، ويلزم للقاضى الشرعي بالضرورة أن يكون فقيها (رجل دين). (!)

لنعد مرة أخرى إلى أصل الخلاف بين الطرفين حول الشريعة، ولنتحدث بتفصيل أكثر حول الأحكام، فالقانون المدني مثلا يأخذ أحكام الأحوال الشخصية كما هى من الشريعة دون زيادة أو نقصان، وفي أحكام البيوع نتيجة لتغير الزمان والمكان اختلفت تلك الاحكام بالضرورة وليس عمداً.

لكن الخلاف الأكبر بين الطرفين حول الحدود (العقوبات) ومعاملة غير المسلمين في الدولة الإسلامية (المواطنة)، ففريق يعلى من شأن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بحيث يصبح حاكماً للدستور وفريقاً يعلى من شأن النصوص الدينية على اختلاف دلالتها لتكون حاكمة للدستور.

وحسما لهذا الخلاف قطعت المحكمة الدستورية بأن الشريعة الإسلامية المقصودة في المادة الثانية هى الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهذا ربما يكون نادراً جدا في الشريعة الإسلامية، إذ النصوص قطعية الثبوت تبقى القرآن فقط وبضعة أحاديث نبوية متواترة، ومن جهة الدلالة فإن القرآن فيه محكم ومتشابه، والمحكم نادر أيضاً مقارنة بالمتشابه الذى هو محل نزاع بين الفرق الإسلامية منذ قرون.

وذلك لأن عقول الناس تتفاوت في فهم آيات القرآن وتختلف وتتصارع وتتناقض في فهم الآية الواحدة فكيف نفض ذاك النزاع حول فهم وتفسير الآيات؟ ومن يحكم بصواب رأي او بخطأ آخر؟ هل كما يقول الأصوليون يفض الإمام\ ولى الامر النزاع؟ بمعنى أن تصبح سلطة التشريع في النهاية في يد الحاكم الذي يملك السلطة التنفيذية والقضائية باعتباره ولى الأمر؟

أفهم من هذا أن الغرض من الضجيج الدائر من الإسلامويين هو توسيع دائرة نفوذ الحاكم والتوسع في سلطاته بحيث يسيطر على السلطات الثلاث، والتوسع في دائرة النصوص بحيث نصبح خاضعين في كل أمور الحياة للنصوص التى عفا على تفسيراتها الزمن بحيث لم تعد صالحة لا للزمان ولا للمكان.

كيف نفض الاشتباك؟

تنقسم الشريعة من جهة أخرى إلى وسائل ومقاصد، والمقصد هو الغاية بعنى أن غاية الشريعة تحقيق  العدل مثلا فيكون العدل مقصداً من مقاصد الشريعة، والوسائل التى هى الطرق التى نصّ\أرشد إليها الشارع\الله هى الطريق للوصول إلى تلك المقاصد.

ويظهر من هذا التقسيم أن المقاصد فوق الوسائل لأنها غاية الدين، يقول أهل التنوير إنه مادام المقاصد فوق الوسائل وأن الدين حثنا على الوصول إليها فإن الوصول إليها من أي طريق كان هو صحيح عقلاً وشرعاً.

يقول الإمامُ ابنُ القَيِّم: "إنَّ الشريعةَ مبناها وأساسُها على الحِكَم ومصالِح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصالِحُ كلُّها، وحكمةٌ كلها، فكلُّ مسألة خرجتْ عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضِدِّها، وعن المصلحةِ إلى المفْسَدَةِ، وعن الحِكْمة إلى العَبَث، فلَيْسَتْ من الشريعة، وإن أُدْخِلَتْ فيها بالتأويل”.

ومن ثم فإن تشريع قوانين للعقوبات\الحدود ملائم للزمان، وسن تشريعات تحفظ لغير المسلمين حقوق المواطنة، إذا حافظت على مقاصد الدين التى أهمها العدل (وضعه المعتزلة بعد التوحيد في أصولهم للاعتقاد) فإن هذا لا يخالف الشريعة ويخرجنا من براثن الخلاف إلى ساحة اتفاق أرحب.


Share/Bookmark

6 التعليقات:

غير معرف يقول...

إهتمامك بإبراز الخلاف غطى على إهتمامك بشرح المفهوم العام للشريعه الإسلامية http://www.muslm.net/vb/showthread.php?465647-%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%9F

Maroooo يقول...

انا موافقاك فى معظم ما ذهبت اليه لكن بيواجهنى سؤال بيحيرنى لو قررنا نطبق المقاصد دون الوسائل فده ممكن يوصلنا مثلا للمساواه التامه فى المواريث من باب العدل ونمنع الاعدام ونستبدله بعقوبه تانيه من باب الرحمه وهكذا انا نفسى مش عارفه اقرر ايه الصح :(

محمد أبو العزم يقول...

المقاصد دون الإخلال بعموميات الدين، والقصاص عدل، والمواريث قطعية الثبوت قطعية الدلالة.

ماكينات طباعة يقول...

لا خوف ابدا من الشريعة
ليتنا فعلا نعمل بها لكنا ارحنا واسترحنا
لكن الخوف مما يدعون تطبيق الشريعة
الخوف من تكفير واستباحة الاعراض والدماء تحت اسم الشريعة
وهى منها براء
الخوف من هيمنة بعضنا علينا تحت اسم الشريعة وهى ونحنا منهم براء
وامر شيىء فى الدنيا هو حكم النفس على النفس
قبل اى شيىء خرج علينا رجل يدعى عبد الله بدر
اعطى لنفسه كل الحق ان يحاسب غيره بأقذر الالفاظ وابشع المسميات .... وتحت اسم الشريعة
وغيره وغيره
ماكينات طباعة
مقص ورق
مقص بولر-طوايه
ماكينه طباعه ريوبى

umzug يقول...

Thanks to topic

عبده العمراوى يقول...



شركة ترولى لمكافحة الحشرات بالخبر
شركة تنظيف فلل بالجبيل

إرسال تعليق