الجمعة، 9 نوفمبر 2012

السلفيون والخوارج.. في البذور والجذور والثمار

2012-634880697784216761-421_main

تلك سطور أكتبها تحت زعم المحاولة لربط النموذج السلفي المعرفي بنماذج معرفية  تاريخية أخرى وردت في ظروف تاريخية شبيهه، ولأن السلفية\الأصولية هى شبيهه إلى حد بعيد عما كان عليه الخوارج من جهة التكفير والغلظة، وعما كان عليه بنو أمية من التوق إلى حكم الناس، فإنني سأعرض بالمقارنة بين النموذجين السابقين والنموذج السلفي\الأصولي الحالي.

في العام الخامس والثلاثين بعد الهجرة كانت دولة الخلافة تغلى تحت بطش حكام بني أمية وظلمهم للعباد، وكان الحاكم آنذاك عثمان بن عفان يبلغ من العمر اثنتين وثمانين عاماً، كان عمر حسنى مبارك أربعة وثمانين عاماً، وقد أسند عثمان المناصب الكبرى في بلاده إلى أقربائه من بنى أمية وترك لهم حبل الدولة على الغارب، وأطلق أيديهم في مال المسلمين ونفوسهم.

وللتدليل على حدة الثورة ضد عثمان سأذكر لكم رواية الواقدي عن الحوار الذي دار بين علي وعثمان حينما نصحه علي في أمر تولية أقربائه من بنى آمية  فرد عليه عثمان قائلاً: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحمًا وسددتَ خَلة أنشدك الله يا علي أتعلم أن عمر ولى المغيرة أو ليس ذلك قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فلم تلومني إن وليت ابن عامر في رَحِمه وقرابته قال‏:‏ سأخبرك إن عمر كان كل من ولي فإنما يطأ على صِماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى غاية أنت لا تفعل رفقة بأقربائك.

ولهذا السبب اجتمع الثوار من المسلمين يريدون عزل عثمان عن الحكم، وكان على رأسهم ثوار من مصر والكوفة  والبصرة، وكان عدد ثوار مصر يقارب الستمائة وثوار أهل الكوفة وثوار البصرة كلاهما عددهم كعدد أهل مصر، وحدث حوادث كثيرة مختلف في تفاصيلها بين المؤرخين، المهم منها أن الثوار حاصروا بيت عثمان بن عفان، ووثبوا عليه بعدما دام الحصار أربعين يوماً وقتلوه وقتلوا غلامين له. وأخذت السيدة نائلة زوجة عثمان قميصه مخضباً بدمائه وأرسلته إلى معاوية بن أبي سفيان وقالت أنت وليه، يعنى أنت ولى دمه والمخول بأخذ ثأره.

وفي سياق آخر كان الثوار آنذاك يطلق عليهم أهل الفتنة، أو المنحرفون، أو المتمردون حسبما ورد في كتب المناصرين لعثمان بن عفان.  آنذاك كانت الظروف أشبه بظروف مصر إبان الثورة، اضطرابات في البلاد، وحالة استقطاب حادة بين من يطلبون دم عثمان أولاً وبين من يريدون تنصيب خليفة من غير أهل الثورة ويمكنك تسميتهم في هذا الإطار بدعاة الاستقرار!

ولما وصل خبر تولية علي بن أبي طالب إلى معاوية  بن أبي سفيان رفض معاوية مبايعة  علي وتحجج بأن دم عثمان وثأره قبل البيعة، وقال إن الثأر قبل البيعة وإلا فإن علي قد عطل حدود الله ولا تجوز ولايته.

المهم سيًرت الجيوش ووقعت موقعة الجمل وبعدها موقعة صفين ومات ما يربو على سبعين ألفاً من المسلمين في تلك الفتنة بين كبار الصحابة ثم كان ما كان من أمر التحكيم بين علي ومعاوية وسأشرح بالتفصيل قصة التحكيم والذي خرج من رحمها فرقة الخوارج\السلفية.

لما كان من أمر القتال الشديد بين الطرفين نادى فريق من الناس بتحكيم شرع الله بين الطرفين، لأن الحق فيما زعموا يومئذ لم يكن واضحاً، بل كان ملتبساً بين الطرفين، وهذا غلط كبير، لأن الحق كان واضحاً بين بقايا نظام قتل حاكمه وبين حاكم شرعي بايعه الناس آنذاك.

على كل حال وصل هذا المقترح إلى معاوية بن أبي سفيان فأعجبه، وأمر برفع المصاحف على أسنة الرماح، وفي رواية أخرى يقولون أن المقترح برمته كان من عمرو بن العاص داهية العرب، وهذا شبيه بما حدث وقت الاستفتاء من الإخوان والسلفيين حينما رفعوا للقوى السياسية الأخرى المصاحف على أسنة الرماح، فقالوا من قال نعم لتعديل الدستور فقد أصاب الشرع، ومن قال لا فقد نال من الشرع.

حينما رأى علي المصاحف على أسنة الرماح ولما كان من طيبة نفسه، قبل علي بتحكيم الكتاب\القرآن بينه وبين معاوية وقال: (نعم بيننا وبينكم كتاب الله، أنا أولى به منكم).

وتم الاتفاق على التحكيم وبدأ كل فريق يختار من يخرج لهذ المهمة، ولم يكن في جيش معاوية  ثمة اختلاف على من يتولّى أمر التحكيم، فاختاروا عمرو بن العاص رضي الله عنه، والذي كان بمثابة الوزير الأول لمعاوية، أما جيش علي لما عرض عليهم أن يخرج عبد الله بن عباس رفضوا وطالبوا بخروج أبو موسى الأشعري وبالفعل خرج أبو موسى وعمرو  في مكان في صفين ، وارتضيا على أن يتحاكما إلى كتاب الله وأن يرضى كل فريق بالحكم، فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان.

وبعد الاتفاق كان الأشعث بين قيس يقرأ الكتاب\الاتفاق على جيش علي فخرج رجل يدعى عروة بن جرير من بني ربيعة من تميم، وقال للأشعث بن قيس رضي الله عنه: أتحكمون في دين الله الرجال؟!

وأخذت هذه الكلمة طائفة من جيش علي، وبدأت تتحدث بها، وكان الكثير ممن ردد هذا الأمر من حفاظ القرآن الكريم، وشديدي الورع والتقوى، وممن يكثرون الصلاة بالليل والنوافل، فأخذوا هذه الكلمة وقالوا: أتحكمون في دين الله الرجال؟ وغضبوا لأمر التحكيم وقالوا: لا حكم إلا لله.

وهنا يتلقى النموذج السلفي\الأصولي مع النموذج الخوارجي، حيث أنه ثمة عامل مشترك بينهم، أنهم كثيري الصلاة، حفاظ لكتاب الله، ويرفعون سيف إن الحكم إلا لله في وجه من يخالفهم.

وصل عدد الخوارج عند وصول جيش علي إلى الكوفة إلى حوالى اثنتي عشر ألفاً وكان من بينهم ثمانية ألالاف  يسمون القراء وكان غالبيتهم من قرية "حروراء" وكانوا شديدي الرفض لقضية التحكيم وكانوا يرونها تفريطاً في شرع الله من جانب علي أمير المؤمنين.

ولما بلغ أمرهم ذروته وضاق صدر علي بهم ذهب إليهم ليحاورهم، والمحاورة غاية في الأهمية لذلك أنقل جزءاً كبيراً منها:

قال علي بن أبي طالب لهم: ماذا تأخذون علينا؟

قالوا: انسلخت من اسم سماك الله به -يقصدون اسم أمير المؤمنين- ثم انطلقت، فحكّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.

وهنا يلتقى النموذج السلفي مرة أخرى مع نموذج الخوارج في الإعلاء من قيمة النص بغض النظر عن السياق النصوصي والسياق التاريخي الوراد فيه النص، إنه ذات الجمود الذي نعانى منه في اللجنة التأسيسية من سلفيين يرفضون كلمة السيادة للشعب لأنهم يرون أنه لا سيادة إلا الله وهو ذات منطق الخوارج في عبارة لا حكم إلا لله.

فقال علي لا يدخل علي إلا من يحمل\يحفظ القرآن، فدخل عليه ثمانية الألاف، فأمسك بالمصحف وأخذ

يهزه، فقالوا له: ما تفعل؟، فقال: إنى أسأله (يقصد المصحف)، فقالوا له: إنما هو مداد في ورق.

وهنا أوقعهم علي في المناظرة لأنهم اعترفوا أن القرآن لا ينطلق بلسانه إنما كما قال علي: هو كتاب مسطور بين دفتي ينطق به الرجال.

وراح علي يسرد لهم الأمثلة على ماورد في كتاب الله ومن فعل الرسول لكنهم لم يرتدعوا ولم يعودوا عما في رؤوسهم وكان الدافع وراء ذلك نوايا طيبة هى الإعلاء من شأن كتاب الله، وهى نقطة التقاء أخرى بين النموذجين، فأنا لا أشكك في نوايا السلفيين في حبهم للكتاب والإعلاء من قيمته ولكنهم يعلون منه على طريقة الخوارج.

ودخل عبد الله بن عباس طرفاً في المناظرة، وعاد من الخوارج خلق كثير، ربما يقدرون بأربعة الألاف، وبقى بعضهم على عنادهم، واستمر علي في إرسال الرسل لهم لمحاورتهم، لكنهم أبوا إلا تحكيم كتاب الله.

قرب عقد المجلس الذي سوف يتم فيه التحكيم، بدأ هؤلاء يتعرضون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بما لا يليق، وخرجوا عن دائرة النقاش المهذب، وبدءوا بالسباب، والشتائم، وعلي رضي الله عنه يصبر عليهم، ويردّ عليهم بالتي هي أحسن تجنبًا للفتن، واستمرّ الوضع هكذا يزداد يومًا بعد يوم.

وهنا يشترك السلفيون\الأصوليون مع الخوارج في نقطة أخرى وهى استخدام السباب والشتائم ضد المخالفين رغم ماهم عليهم من الورع والتقوى في أقل شئ من حدود الله إلا أنهم يستحلون عرض المخالف لهم.

حتى قام له رجل منهم، وهو يخطب فقال له: يا علي أشركت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله

وتنادوا من كل جانب: لا حكم إلا لله

فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه كلمة حق أًريد بها باطل.

ثم بدءوا يعرّضون بتكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقابله رجلٌ منهم يومًا وقال له: يا علي لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.

وهنا نقطة التقاء أخرى، فبعد السب والتخوين والشتائم، ينتقل الخارجي\السلفي إلى دائرة التكفير طالما لم

يرجع المخالف عن فكره، ويحتمى هنا بسيف حكم الله في يده ويقول ما أردت إلا كتاب الله.

إذن يمكننا عبر السرد التاريخي لقصة نشوء الخوارج، وعبر استدعاء النموذج المعرفي لهم من وقت نشوب الثورة ضد عثمان حتى الآن، أنهم أهل تقوى وصلاح شديدو الورع في حدود الله يحفظون كتاب الله ويجدون في الصلاة والصيام والقيام، يريدون حكم الله كما يفهمونه هم لا كم يفهمه غيرهم، ويلجأون مع غيرهم هذا بالحوار أولاً ثم الشتائم ثانية ثم التكفير ثم القتال في الأخير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ”.

المصادر:

المنتظم في تاريخ الملوك والامم، ابن الجوزي

فجر الإسلام، أحمد أمين

العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب.

مجموعة مقالات متفرقة عن العهد الأموي. 


Share/Bookmark

7 التعليقات:

Unknown يقول...

متفق مع تخوفك و اللي انت حاولت توصل له .. مختلف مع الطريقة و التشبيهات و شايفها غلط

من خرج ضد عثمان كانوا على حق بالنسبة لاخطائه . لكن حضرتك كتبت جملة ( وحدث حوادث كثيرة مختلف في تفاصيلها بين المؤرخين) و تجاهلت انه انصرف كثير من هؤلاء الثوار الى بلادهم من بعدها و بقيت مجموعه هي من قتلت عثمان

اغلب من بقي هم نفسهم من شكل نواة الخوارج على موضوع التحكيم فيما بعد و انضم لهم من اقتنع بكلامهم من المتدينين الذين ما لبثوا ان انصرفوا عنهم بعد محاورتهم من قبل سيدنا علي و من قبل عبدالله بن عباس - و هو ما لم تذكره - و بقيت مجموعه اغلبها كانوا ممن قتل عثمان .

يعني من بقي من الثوار و الخوارج مش حاجتين مختلفتين .. لأ هم واحد .. فانك تشبه الثوار بنا مع العلم ان معظمهم انصرف و لم يبقى غير مجموعه و تشبه الخوارج بالسلفيين حاليا مش في محله خالص
لان السلفيين ما خرجوش ضد مبارك

انما بالنسبة لتخوفك من موضوع التكفير و ان السلفيين يشيلوا سلاح .. فمش محتاج التاصيل ده كله عشان تثبته .. بعضهم قالها و بعضهم قال الديموقراطية كفر و مصمم عليها و هنرميها كالمنديل المتسخ بعد استخدامها


و شكرا :)

غير معرف يقول...

باجماع علماء الدين اذا وصل الخوارج للحكم
فيجب ان تطيعهم كولاه لأمور المسلمين ولاتخرج عليهم والا تكون انت نفسك من الخوارج
ستقول انا ليبرالي لاأؤمن بهذا الكلام !
اذن لما تكون ليبرالي وتؤمن بنصف الدين ولاتؤمن ببقيته فلا تستشهد بالدين - مع ان استشهادك خاطئ - لأنك في اي مناظره سيثبت عوار وترقيع ماتؤمن به
فلاهو اسلام ولاهو ليبرالية وانما ترقيع من هذا وذاك ليخدم هواك

محمد أبو العزم يقول...

يامحمد أنا بقارن نموذج معرفي بنموذج معرفي مش بقارن السلفيين بالخوارج لأن السلفيين رفضوا أصلا الخروج على الحاكم من البداية بس في نموذجهما المعرفي في تشابه كبير. وأنا لم أغفل تراجع بعض الثوار ولكني قولت ووقعت حوادث كثيرة مختلف فيها لأني قارنت بين رواية ابن الجوزي ورواية الذهبي ولقيت في اختلافات هتبعدني عن موضوع النقاش

محمد أبو العزم يقول...

الأخ غير المعروف ..
من أين أتيت بالإجماع ؟

ماكينات طباعة يقول...

هذا ... مايفرض علينا الان بكل قوة وشراسه

ماكينات طباعة
مقص ورق
مقص بولر-طوايه
ماكينه طباعه ريوبى

Hisham يقول...

http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AC_%D9%81%D8%B1%D9%82_%D9%88%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86

يثبت ان ماذكر هنا كله صحيح, وإن كان الكتب هنا اغفل بعد الأمور لاختلاف الرواية فيها, فراغب السرجاني ذكرها كلها.
مافهمته هنا, ان التشبيه هنا بكيفية التفكير وليس بتوحد نتاج التفكير.
احييك على المقالة

Ali يقول...

تاريخ يعيد نفسه

إرسال تعليق