الجمعة، 7 مايو 2010

الأن، ياسيادة الرئيس!

user205483_pic95440_1225987167 بينما هو نائم، إذ شعر بضيق في الصدر، وصعوبة في التنفس، تكاد تخرج روحه وهو نائم، نهض من نومه فزعاً، كانت الغرفة شديدة الظلمة، لايكاد يرى أصابع يديه، ثم مالبث أن شقَ تلك الظلمة نور قادم من بعيد، داخل النور أشياء ضخمة تتحرك: ربما تشبه التنين، كلا، إنها تشبه الشياطين، كلا، إنها تشبه الملائكة..

لم يستطع تحديد هويتها، وظل يتأملها، ونسي الدنيا من حوله، لم يعد له همّ سوى معرفة تلك الأشياء التي تقترب منه شيئاً فشيئاً..

تحسس زر الكهرباء بجوار السرير، حاول إشعال النور، لكن ثمة شيء أزاح يده من على المفتاح، أيقن أن ثمة شيء سيحدث الليلة، ربما انقلاب يطيح به وبرجاله، لكن ماتلك الكائنات التي تتحرك وتقترب، ربما أليات أمريكية بعثها الأمريكان ليتخلصوا مني، ولكن كيف، فأنا رجلهم الأول والأخير، ربما المعارضة، لا، إنهم منهكون في خلافاتهم الداخلية، ولايملكون مالاً كي يصنعوا أشياءً بهذا الحجم .

اقتربت منه تلك الأشياء، تبيّن أنها مخلوقات ضخمة سوداء، يتوسطهم كبيرهم والذي يفوقهم في الجسم، وفي عدد الأجنحة، نعم هم مجنحون، كلٌ يمتلك عدد كبير من الأجنحة، أحاطوا به، وبدأ كبيرهم يهمهم بكلمات لايفهمها..

جسده يرتجف، قلبه يدق بسرعة الضوء، عيناه تزيغان، لايرى شيئاً سوى تلك الأشياء، يحاول أن يتكلم فيعجز، يحاول ثانية، لكن الفشل كان مصيره..

استسلم، وقرر أن ينتظر عن أي شيء ستسفر تلك الليلة الحالكة..

قال له كبيرهم بصوت جهوري شديد الإرتفاع، كاد يصم أذنيه:

- الأن، ياسيادة الرئيس..

حاول أن يتكلم، يرد، يحاور، لكنه عجز، فأشاح بيده، ليفهمه أنه لايستطيع الحديث.. كررها ثانية ذلك المخلوق الضخم..

- الان، ياسيادة الرئيس..

بدأ يحس بخفة في لسانه، حركه داخل فمه، شَعُرَ بقدرته على الحديث، فرد بصوت متعب منهك:

- الأن، ماذا؟ .. ومَنْ أنتم؟.. ومن أرسلكم؟..

تبسم ذلك المخلوق المهيب، ونظر إلى المخلوقات المحيطة به، فتبسموا ضحكاً من سخف السؤال، فرد عليه بنفس الصوت القوي:

- الأن، حان أجلك

تململ الرئيس، وزادت ضربات قلبه، وتجمد جسده، شعر بالفعل أنه قد مات، لكنه مازال يرى سريره الوثير، وصورته الكبيرة التي تزين الحائط الجانبي، ومازال يحس بنعومة الغطاء الذي يتدثر به، والهواء الساخن لازال يخرج من أنفه.. إذن أنا حي!

هكذا قال لنفسه، وعادت الأفكار تهاجمه بسرعة وبكثافة: إنها مؤامرة، انقلاب، محاولة اغتيال، تصفية جسدية، لم يدر بخلده أبداً أنها اللحظات الأخيرة، فهو لم يفكر يوماً بأنه قد يغادر قصره المهيب رغماً عنه، ولم يخالجه شك بأنه القادر على فعل كل شيء، فكيف يرغمه أحد على فعل شيء..

ضحك بسخرية، وقال لهم:

- إن كنتم معارضين، فسأغدق عليكم بعض النعم، وسأجعلكم من كبار رجال الدولة، وسنتنعم سوياً بالحياة الرغدة.. وإن كنتم مأجورين لاغتيالي أو تصفيتي، فاعلموا أنكم لو تركتموني حياً، وأرشدتموني عن المحرض، فلكم عندي مكافأة كبيرة، وستكونوا رجالي المقربين..

ارتفعت أصوات المخلوقات المحيطة بالمخلوق الكبير، ويبدو أنها أصوات تنمّ عن غضب، إلا أن كبيرهم كان أكثر هدوءً .. وقال له بصوت هادئ هذه المرة..

- أسف ياسيادة الرئيس، لقد حانت اللحظة التي ستغادر فيها قصرك، وولدك، ومالك، وزوجك، وحاشيتك، وجندك، والدنيا بأسرها..

همّ المخلوق أن يمس رأسه، إلا أن الرئيس هاج وماج، وحاول الهرب، لكن أنّى له ذلك، فهي لحظة لامفر منها، تركه المخلوق الضخم، يصول ويجول، ويغضب، ويشتم، ويفعل مايريد، ثم نظر إليه نظرة شفقة، ووضع يده على رأسه، وقال له :

- الأن، لن يحميك رجالك، ولا أمن دولتك، ولا جنودك المنتشرون في الشوارع، هيا لتلقى الله..

- وماالله؟ ..

كانت أخر كلمة خرجت من فم الرئيس، قبل أن تفارق روحه جسده، تاركاً جسده المنهك ممد على الفراش الوثير.

محمد أبو العزم

7/5/2010


Share/Bookmark

0 التعليقات:

إرسال تعليق