الثلاثاء، 26 أبريل 2011

هذا ماحدث فى جمعة الغضب !

169018_1765355570077_1124780168_32061648_6778895_n فى حياة كل منا لحظات تأبى أن تغادر الذاكرة، فتلتصق بها وتخالطها فتستحيل الذكرى والذاكرة شئ واحد، كلما اعتمل فى داخلك شعور أثار الذاكرة، تداعت تلك الذكرى أمام عينيك، وجاءت فى ثوبها متشحة بفرح أو بحزن.

لكن أن يكون فى حياتك يوم لايمكن أن تنساه، وتأبى ذاكرتك أن ترتاح من تكرار المشاهد والأصوات وكأنك تشاهد فيلما مسجلا، او كأن الزمان قد اختطفك وأعادك إلى هذا اليوم فهو أمر عجيب!

جمعة الغضب، ذلك اليوم الذى انتفض فيه المصريون، وخرجوا بصدور عارية، وآيادى لاتحمل إلا السلام، وقلوب لا يثقلها شئ سوى الحب، غايتهم الحرية، وسلاحهم التلاحم وقوتهم فى حناجرهم الهادرة الزاعقة بالآنين والشكوى.

تتدافع الذكريات الأن، وتتفاعل بداخلى الأصوات والأشكال والصور، وتتدفق الخيالات التى رافقتنى طيلة اليوم، صعب أن تبدأ، وأصعب أن تدرك النهاية، وبين الصعبين مشاق كثيرة، وإنما عزمى على الكتابة أشد، وهمتى اليوم فى عنان السماء، سأقص وأروى لكم ماحدث، ربما هى تجربة عشتها وحدى أو شاركنى فيها الألاف، بيد أنى سأشرك معى كل مصري غاب عن الصورة بعذر أو دون عذر.

فى البدء كانت النار، وكانت النار متأججة فى الصدور، وكانت الصدور تحوى قلوبا حالمة، فحلم ونار أشعلا ثورة .

يوم الجمعة، 28 يناير 2011، الكل متأهب، شباب مصر الثائر يتجهز، وقوات الأمن فى الشوارع منذ الثلاثاء 25 يناير، المصفحات فى كل مكان، قوات مكافحة الشغب تملأ أرجاء مصر، عصى وبنادق وقنابل دخان ورصاص مطاطى، اتشحت مصر بالسواد، حتى خرج الشباب من المساجد بحناجر يملأها الغيظ، وقلوب يغمرها الحزن والأمل، فخلعت مصر ثوبها رويدا رويدا حتى كان يوم رحيل الطاغية!

ليلة الجمعة عقدنا العزم أن نخرج بمظاهرة قوية من منطقة مجاورة لبيتى حتى نربك الأمن، وكان المتفق عليه أصلا بين النشطاء الخروج بمظاهرات ثلاث من مساجد قريبة من شارع البحر، الشارع الرئيسى بطنطا، غير أننا خالفنا الإجماع والحق أننا لم نكن نثق بأحد سوى بأنفسنا، فلا نأمن لحزب ولا لجماعة.

قبل صلاة الجمعة ارتديت ملابسى، وودعت أمى، وكانت دموع أمى توشك أن تهبط على وجنتيها أمامى، لكنها أبدت صلابة وتماسكا، وظلت تدعو لى قبل أن أنزل، فى طريقى للمسجد القريب من بيتى كان الناس يسيرون وكأن لاشئ سيحدث، غير أننى كنت أنظر إلى السماء فأحس بالحرية، بالخوف يتبدد، بالأمل يحيا.

عند المسجد وبعد انتهاء الصلاة، تجمعنا والتحمنا سويا، كان عددنا لايتجاوز الخمسة، وقف الناشط أحمد المصري، وصاح فى الناس: أيها الناس إن لكم إخوة خرجوا فى كل مصر، واليوم فُرض علينا أن نشاركهم، فمن تقاعس فلا حظ له من الحرية، ومن كان معنا فلينضم إلينا، ساد الصمت للحظات، واعترانا وجوم، فلم يحرك أحدا ساكنا، إنما بدأ الناس بالانصراف، نظرت إلى صديقى أحمد وهتفتُ باطل، باطل، باطل، حسنى مبارك، فرد عليا ومن كان معنا من الأصدقاء.

وفى لحظات انضم إلينا بعض الشباب المتحمس حتى صرنا خمسة عشر، أشرت لأحمد لكى ننصرف ونتحرك صوب هدفنا الرئيسى، مبنى المحافظة فى شارع البحر، تحركنا نحن الخمسة عشر، وأصواتنا لاتكف عن الهتاف، وحناجرنا تبلغ عنان السماء، والناس ينظرون إلينا فى عجب، حتى مررنا على مسجد أخر فانضم إلينا البعض، ووقف بعض المتدينيين يرمقونا بازدراء.

قبل الكوبرى الذى نخرج منه إلى ميدان المحطة، انضم إلينا البعض، حتى أنى نظرت فلم أستطع عدّ المتظاهرين، امتلأ قلبى فرحا، ورقص عقلى طربا، وأحسست عندئذ بأننا لن نخسر، وتحطم الخوف بداخلى، وتبددت كل الشكوك التى كانت تعترينى، علا صوتى بالهتاف، وردد الناس ورائى، حتى أدركنا ميدان المحطة.

نظرت إلى ميدان السيد البدوى الواقع على يسار ميدان المحطة فى نهاية شارع طويل، وجدت خشودا ضخمة، تتدافع، وتتلاحم، ويلتصق بعضها ببعض، وكأنهم يبحثون عن شئ يستمدونه من بعضهم، كان هذا الشئ هو صوت هتاف ضد النظام، حين لاحت هتافتنا فى السماء، اندفع هؤلاء نحونا، رأيت الألاف يهرولون صوبنا، وأياديهم ترتفع وكأنهم يبحثون عنا، وهرولنا نحوهم وفى منتصف الشارع ارتطمنا ببعضنا كموجات البحر حين ترتطم ببعضها البعض، كان امتزاجا رائعا، أصوات تزأر بالحرية، ورؤوس تلامس السموات، رؤوس كادت أن تمس الطين فى عصر مبارك.

اندفعنا فى شارع المديرية، وهو شارع طويل يؤدى إلى ميدان الساعة حيث يقع قسم أول طنطا، وكان الصوت الهادر، الشعب يريد إسقاط النظام، موجات من الغضب، حناجر يغمرها الغضب، تئن فى الفضاء بهذا الهتاف، توحدنا جميعا كما لو كنا رجل واحد، الشعب يريد إسقاط النظام، حتى بلغنا قسم أول طنطا، حاول البعض الاعتداء عليه، غير أننا منعناهم وشكلنا حاجزا لحماية القسم، وطلبنا من مأمور القسم ورجاله الدخول إلى القسم وإغلاق البوابات، فامتثل لنا، تحركنا فى شارع البورصة المؤدى إلى شارع البحر، فى ذلك الوقت لم يكن بمقدور أحد أن يقدر عدد الناس فى الشارع، ربما عشرة ألالاف، عشرون ألفا، كان مشهدا كرنفاليا.

فى أول شارع البحر تقف صورة مبارك منتصبة على عمود عالى، ارتقى شابُ العمود وحطم الصورة، وحطم معها خوف الناس، لحظتها أحسست أن مبارك قد سقط، فهؤلاء الثوار لن يرجعوا ولن يستسلموا، وإنما سيموتوا أو سينتصروا.

تحركت الجموع الثائرة فى شارع البحر قاصدين مبنى المحافظة، ومازال الهتاف الشعب يريد إسقاط النظام، الأمهات فى الشرفات تلوح لنا بالنصر، وأطفال صغار يرفعون علم مصر وينظرون إلينا كما لو كانوا يشكون من منع ذويهم لهم من الانضمام إلينا.

هناك، عند مبنى المحافظة كانوا ثائرين، محتشدين، متوحدين، غايتهم معروفة، وقلوبهم متألفة، الشعب يريد إسقاط النظام، فى لحظات من أروع لحظات العمر، تعانقت المظاهرتان، وقد تجاوزنا المئة ألف متظاهر، وظللنا نهتف، ونهتف ..

انتشرت شائعات أن الشرطة تعتدى على الشباب المعتقل منذ يوم الأربعاء، تحركت حشود إلى قسم ثان طنطا، وراحوا يرشقون القسم بالحجارة، فاندفع الجنود والضباط داخل القسم، واعتلى بعضهم سطح القسم، وأغلقوا بوابات القسم، وأطلقوا بعض الرصاصات فى الهواء، إلا أن الشباب لم يخش رصاصهم، واندفعوا نحو سيارات الشرطة فقلبوها وأضرموا فيها النيران، وتصاعد الدخان، وتصاعدت معه نبرة الحماسة.

فتوجه الشباب إلى قسم أول طنطا، وأمطروه بوابل من الحجارة، كان رجال الشرطة يفرون إلى سطح القسم، والسماء تمطر عليهم حجارة، حتى اقتحم بعض الشباب القسم، وأضرموا النيران فى غرفة المأمور، وغرفة الاستيفا، عندئذ علّت النيران فى السماء، وهلل الواقفون، فتحمس البعض وصعدوا إلى الدور الثانى من القسم، وأضرموا النيران فى باقى القسم، كنا نسمع صوت طلقات رصاص لكننا لم نعرف هل وقعت إصابات أم لا.

على سطح القسم كان أمناء الشرطة يلقون الباريهات علينا، ويصيحون ويولون كما النساء، حتى إن أحدهم خلع لباسه الشرطي بالكامل وألقاه للشباب .

خرج رئيس المباحث من داخل القسم، وله تاريخ شديد السوء، من البلطجة على البائعين والبسطاء، فاعتدى عليه بعضهم، وأوسعوه ضربا، وأخرجوا ضابطا أخر وأرغموه على الهتاف ضد حسنى مبارك، محمولا على أعناقهم.

عندئذ كانت جموع المتظاهرين تفرقت فى مختلف الشوارع، والهواء مطمور بالدخان الأسود، يمازجه نسيم الحرية الذى استنشقه هؤلاء الثائرون.

كان يوما بديعا، استمر إلى أبعد من ذلك، لكنى سأتوقف هنا، لعل يأت من بعدى من يستكمل سطور تلك القصة، التى لم يكتب لها بعدُ النهاية.

تحية إلى كل أب وأم قدم شهيدا فداء لحرية الوطن.


Share/Bookmark

8 التعليقات:

غير معرف يقول...

يعني شوية مخربين علي شوية بلطجية بيهتفوا سلمية سلمية

Mohammed Maree يقول...

كلمات رائعة محمد , كأنك تتخدث عن كل مدن مصر كأنك تتحدث عن مئات الالوف من محمد ابوالعزم شاركوا فى هذا اليوم العظيم ,,تحياتى صديقى واشكرك على تحريك دموع عيناى لاتذكر واعيش هذة اللحظات البطولية

Wael Salem يقول...

تسلم ايدك يا محمد علي البوست الجميل ده
انت عيشتني في داخل الحدث كأني كنت معاكم في اللحظات الجميلة دي.
وندمتني اني ماقدرتش انزل مصر وقتها واعيشها جسدياً كمان.

محمد أبو العزم يقول...

صديقى الرائع محمد مرعى ..
سعيد جدا أنى استطعت تحريك مشاعرك، والتعبير عما يجيش بصدرك ..
تحياتى

محمد أبو العزم يقول...

وائل سالم ..
كتبت البوست ده عشان كل واحد ماعاشش اللحظة دى يعيشها كأنه كان معانا بالظبط ..
تحياتى

احمد يقول...

يارب مبارك يخرج من السكان

احمد يقول...

احب مبارك

غير معرف يقول...

يارب لعبة 25 يناير تنزل عليالنت

إرسال تعليق