الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

حقيقة زواج الأطفال في الشريعة الإسلامية

Q8Me-5fb8d3ecb7

من العسير جدَّا أن تتعرض لآية في كتاب الله وتستنبط منها حكماً قد يكون صادماً للبعض، وهذا ما وقع مع الآية الرابعة من سورة الطلاق، حينما استنبط منها البعض أو ربما الكثيرون جواز تزويج القاصرات أو بتعبير آخر الأطفال، لقوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ)، فدل ذلك على أن مَنْ لم يبلغ الحلم يسمى طفلاً، ولذا سأعمم لفظ زواج الأطفال في ثنايا المقال.

كلامُ في تفسيرِ الآية:

(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)

تفسير كتاب الله ليس بالأمر اليسير على أي إنسان، بل هو بحاجة لجمع علوم شتى وإدراك طرائق شتى لاستخراج المعانى من الألفاظ، ولذلك اعتنى أهل العلم بكتاب الله وتدارسوه ووضع له القواعد والعلوم لفهم معانيه.

أول العلوم المنوط بها تفسير القرآن هو علم اللغة ويليه أسباب النزول لأنها تجعلك تدرك السياق التاريخي التى وردت فيه الآية ولهذا فضل كبير في فهم العام والخاص في القرآن.

ولهذا فإنني سأبحث أولاً في السياق التاريخي للآية الرابعة من سورة الطلاق، لأن الظرف التاريخي قد يجلى شيئاً غامضاً يوضح معنى الآية.

أخرج ابن جرير وإسحاق بن راهويه والحاكم وغيرهم عن أُبي بن كعب قال: لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد من النساء قالوا: قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغار والكبار (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ) فأنزلت: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ). (ص269، لباب النزول في أسباب النزول، السيوطي)

تحمل تلك الرواية دلالة هامة أبنى عليها مقالي في الآية، حيث أن بعض النسوة اشتكين لرسول الله من ورود آية في عدة المرأة الحائض ولم ترد في غيرها، ثم حددوا غير التى تحيض وقالوا الصغيرة والكبيرة الآيسة والحامل.

نفهم من هذا السياق أن الآية جاءت في معرض الجواب عن سؤال نسوة هم على ذاك الحال، أي أن فيهم الآيسة والطفلة والحامل، وعلى هذا فإن الآية جاءت جواباً على واقعاً بالفعل، ولم تجئ لتحدد حالات الزواج المقبولة شرعاً، لا سيما وقد حدد القرآن سن التصرف في المال والنفس بحد النكاح\ البلوغ كما في آية سورة النساء (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)

قد يقول قائل إن سكوت الله في هذا المحل دون ذكر نهى أو زجر أو تقبيح يعنى اقرار الله لهذه الزيجات، وأقول إن الاقرار دلالة ضمنية تتأرجح من عقل إلى عقل، والدلالة الضمنية ليست قطعية الدلالة بل هى مظنة العقول، والعقول تتفاوت في استخراج المضامين من الألفاظ.

ولما كان الأصل في النكاح\الوطء التحريم، قال ابن حجر\فتح البارى: ((الأصل في الأبضاع (الفروج , وهو جمع بضع وهو الفرج , كناية عن النساء والنكاح ) التحريم إلا ما دل عليه الدليل.)) فيلزم توافر دليل قطعي الدلالة على تحليل ما حرم الله. ولا يتم الحِلُ هنا بمجرد السكوت عن بيان الحكم.

فإن قال قائلهم قلت قولاً لم يسبقك به أحداً والقرآن أجاز زواج الأطفال أنقل إليه الآتى: يقول الإمام العلامة شيخُ الشافعية علي بن محمد بن علي الطبري الشهير بإِلْـكِيا الـهَرَّاسي: ولما ثبت أن المراد باليتيمة البالغة, ولم يكن في كتاب الله دلالة على جواز تزويج الصغيرة, لا جرم صار ابن شبرمة إلى أن تزويج الآباء للصغار لا يجوز, وهو مذهب الأصم. (1\314، أحكام القرآن)

فإن قال قائلاً منهم كيف يتصور أن يكون للطفلة عدة وهى لم تتزوج؟

يجيب الإمام العلامة إِلْـكِيا الـهَرَّاسي: النكاح في حق الصغيرة، إن لم يتصور، فالوطأ الموجب للعدة متصور، وليس في القرآن ذكر الطلاق في حق الصغيرة، إنما فيه ذكر العدة، والعدة تجب بالوطء، والوطء متصور في النكاح الفاسد. (1\315، أحكام القرآن)

ومن ثمّ يُتصور أن أصل النكاح فاسد، لكن الله قد وضع قواعد الخروج من هذا النكاح عبر تحديد عدة الطفلة الموطوءة.

ويمكن تقديم تصور آخر عبر التفسير اللغوي أن الكلام في الآية عن المرأة المريضة التى بلغت ولم تحض وهى متزوجة لا سيما وقد ورد لفظ (نِسَائِكُمْ) في بداية الآية (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ) والنساء تطلق عادة على البالغات كما ورد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) وليس ثمة خلاف على أن المرأة المكلفة بالحجاب هى المرأة البالغة، فإن البلوغ من شروط التكليف.

ومن ثم فإن لفظة (نِسَائِكُمْ) قد يؤكد معنى الآية في أنها النسوة اللائي لم يحضن لأسباب مرضية وليست الطفلة كما استنبط المفسرون ذلك.

كلامُ في النص الشارح (السنة):

قال رسول الله (لا تنكح اليتيمة حتى تُستأمر) وحقيقة اسم اليتيمة للصغيرة لغة، قال النبي: ( لا يُتم بعد الحُلُم) ولذلك نهى النبى عن إنكاح اليتيمة ومده إلى غاية الاسئتمار، ولا تصير أهلا للاستئمار إلا بعد البلوغ، كما ورد في قوله تعالى: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فيتضمن البلوغ كأنه قال: حتى تبلغ وتستأمر.

كلامُ في الإجماع:

نُقل الإجماع على جواز تزويج الطفلة وممن نقل الإجماع: الإمام أحمد , ومحمد بن نصر المروزي ، وابن المنذر , , وابن عبدالبر , والباجي ، وابن العربي , والنووي , وابن حجر وغيرهم.

يقول الشريف د.حاتم العوني: الإجماع منقوضٌ بخلاف قديم , فلا يصح , فقد منع من تزويج الصغيرة عددٌ من أهل العلم , منهم الإمام التابعي الفقيه الجليل عبدالله بن شُبرمة فقيه العراق وقاضي الكوفة (ت144هـ) , وفقيه البصرة التابعي الإمام عثمان بن مسلم البَـتِّي (ت143هـ).

حكى ابن حزم عن ابنُ شبرمة: لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذنَ، ورأي أمر عائشة رضى الله عنها خصوصاً للنبى، كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع. (ص 1600، المحلى لابن حزم)

(النص منقول من عندي ولم يرد على لسان الشيخ إنما أوردته للتدليل على صحة كلام الشيخ).

وقال أيضاً: فليس بإجماعٍ ما وقع فيه مثلُ هذا الاختلافِ القديم , وتَشْذِيذُ أقوالِ أهل العلم المخالفةِ لقول الأكثرين لا يكون بغير ضابط ؛ ولا يكون بمجرد دعوى الإجماع المنقوضة بخلاف من خالف ؛ لأن خلافهم يدل على عدم وقوع الإجماع. انتهى كلامه

وقد رأيت أن جل العلماء الذين حكوا الإجماع قد اعتمدوا على رواية البخاري في سن زواج السيدة عائشة، ولهذا أحيلكم إلى بحث الأستاذ إسلام البحيري بشأن سن زواجها.

السيرة و أمهات الكتب ترد على أحاديث البخارى وتؤكد أن ابنة أبى بكر تزوجت النبى وهى فى الثامنة عشرة من عمرها.

أقوال أهل العلم:

يقول الشيخ ابن عثيمين (من أئمة السلفيين) في الشرح الممتع (12/57-58) : «من دون تسع السنين ليس لها إذن معتبر؛ لأنها ما تعرف عن النكاح شيئًا ، وقد تأذن وهي تدري ، أو لا تأذن ؛ لأنها لا تدري ، فليس لها إذن معتبر ، ولكن هل يجوز لأبيها أن يزوجها في هذه الحال نقول : الأصل عدم الجواز ؛« لقول النبي لا تنكح البكر حتى تستأذن» ، وهذه بكر , فلا نزوجها حتى تبلغ السن الذي تكون فيه أهلاً للاستئذان ، ثم تُستأذن .

وقال ابن عثيمين في شرحه على البخاري , معلقا على الاستدلال بالآية ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾: الشاهد في هذا الباب قوله تعالى ﴿وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾، يعني : اللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر ، ولا عدة إلا بعد نكاح ، والتي لم تحض على حسب استدلال البخاري (رحمه الله تعالى) هي التي لم تبلغ ، أي: صغيرة. ولكن قد يقال : إن البلوغ ليس علامته الحيض فقط ، فقد تبلغ بخمس عشرة سنة وتُزوَّج ، ولا يأتيها الحيض ، فهذه عدتها ثلاثة أشهر ، فلهذا استدلال البخاري فيه نظر ؛ لأنه ما يظهر لنا أنها تختص بمن لا تحيض ، فإنه يمكن أن تبلغ بتمام خمس عشرة ، بالإنبات ، أو بالإنزال كما هو معروف.

ثم استطرد رحمه الله: فالمسألة عندي أن منعها أحسن ، وإن كان بعض العلماء حكى الإجماعَ على جواز تزويج الرجل ابنته التي هي دون البلوغ ، ولا يعتبر لها إذن ، لأنها ما تعرف مصالحها .

فالذي يظهر لي أنه من الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر ، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقا ، حتى تبلغ وتُستأذن ، وكم من امرأة زوّجها أبوها بغير رضاها ، فلما عرفت وأتعبها زوجها قالت لأهلها : إما أن تفكوني من هذا الرجل ، وإلا أحرقت نفسي ، وهذا كثير ما يقع ، لأنهم لا يراعون مصلحة البنت ، وإنما يراعون مصلحة أنفسهم فقط ، فمنع هذا عندي في الوقت الحاضر متعين ، ولكل وقت حكمه .

يقول الإمام الطاهر بن عاشور: بلوغ صلاحية الزواج تختلف باختلاف البلاد في الحرارة والبرودة ، وباختلاف أمزجة أهل البلد الواحد في القوة والضعف ، والمزاج الدموي والمزاج الصفراوي ، فلذلك أحاله القرآن على بلوغ أمد النكاح. (التحرير والتنوير)

المصادر:

التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور

الشرح الممتع، شرح البخاري، ابن عثيمين

المحلى، ابن حزم

أحكام القرآن، الكيا الهراسي

أسباب النزول، السيوطي

البخاري وعليه شرحه المسمى فتح البارى، ابن حجر

مقالات متفرقة


Share/Bookmark

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

السلفيون والخوارج.. في البذور والجذور والثمار

2012-634880697784216761-421_main

تلك سطور أكتبها تحت زعم المحاولة لربط النموذج السلفي المعرفي بنماذج معرفية  تاريخية أخرى وردت في ظروف تاريخية شبيهه، ولأن السلفية\الأصولية هى شبيهه إلى حد بعيد عما كان عليه الخوارج من جهة التكفير والغلظة، وعما كان عليه بنو أمية من التوق إلى حكم الناس، فإنني سأعرض بالمقارنة بين النموذجين السابقين والنموذج السلفي\الأصولي الحالي.

في العام الخامس والثلاثين بعد الهجرة كانت دولة الخلافة تغلى تحت بطش حكام بني أمية وظلمهم للعباد، وكان الحاكم آنذاك عثمان بن عفان يبلغ من العمر اثنتين وثمانين عاماً، كان عمر حسنى مبارك أربعة وثمانين عاماً، وقد أسند عثمان المناصب الكبرى في بلاده إلى أقربائه من بنى أمية وترك لهم حبل الدولة على الغارب، وأطلق أيديهم في مال المسلمين ونفوسهم.

وللتدليل على حدة الثورة ضد عثمان سأذكر لكم رواية الواقدي عن الحوار الذي دار بين علي وعثمان حينما نصحه علي في أمر تولية أقربائه من بنى آمية  فرد عليه عثمان قائلاً: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحمًا وسددتَ خَلة أنشدك الله يا علي أتعلم أن عمر ولى المغيرة أو ليس ذلك قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فلم تلومني إن وليت ابن عامر في رَحِمه وقرابته قال‏:‏ سأخبرك إن عمر كان كل من ولي فإنما يطأ على صِماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى غاية أنت لا تفعل رفقة بأقربائك.

ولهذا السبب اجتمع الثوار من المسلمين يريدون عزل عثمان عن الحكم، وكان على رأسهم ثوار من مصر والكوفة  والبصرة، وكان عدد ثوار مصر يقارب الستمائة وثوار أهل الكوفة وثوار البصرة كلاهما عددهم كعدد أهل مصر، وحدث حوادث كثيرة مختلف في تفاصيلها بين المؤرخين، المهم منها أن الثوار حاصروا بيت عثمان بن عفان، ووثبوا عليه بعدما دام الحصار أربعين يوماً وقتلوه وقتلوا غلامين له. وأخذت السيدة نائلة زوجة عثمان قميصه مخضباً بدمائه وأرسلته إلى معاوية بن أبي سفيان وقالت أنت وليه، يعنى أنت ولى دمه والمخول بأخذ ثأره.

وفي سياق آخر كان الثوار آنذاك يطلق عليهم أهل الفتنة، أو المنحرفون، أو المتمردون حسبما ورد في كتب المناصرين لعثمان بن عفان.  آنذاك كانت الظروف أشبه بظروف مصر إبان الثورة، اضطرابات في البلاد، وحالة استقطاب حادة بين من يطلبون دم عثمان أولاً وبين من يريدون تنصيب خليفة من غير أهل الثورة ويمكنك تسميتهم في هذا الإطار بدعاة الاستقرار!

ولما وصل خبر تولية علي بن أبي طالب إلى معاوية  بن أبي سفيان رفض معاوية مبايعة  علي وتحجج بأن دم عثمان وثأره قبل البيعة، وقال إن الثأر قبل البيعة وإلا فإن علي قد عطل حدود الله ولا تجوز ولايته.

المهم سيًرت الجيوش ووقعت موقعة الجمل وبعدها موقعة صفين ومات ما يربو على سبعين ألفاً من المسلمين في تلك الفتنة بين كبار الصحابة ثم كان ما كان من أمر التحكيم بين علي ومعاوية وسأشرح بالتفصيل قصة التحكيم والذي خرج من رحمها فرقة الخوارج\السلفية.

لما كان من أمر القتال الشديد بين الطرفين نادى فريق من الناس بتحكيم شرع الله بين الطرفين، لأن الحق فيما زعموا يومئذ لم يكن واضحاً، بل كان ملتبساً بين الطرفين، وهذا غلط كبير، لأن الحق كان واضحاً بين بقايا نظام قتل حاكمه وبين حاكم شرعي بايعه الناس آنذاك.

على كل حال وصل هذا المقترح إلى معاوية بن أبي سفيان فأعجبه، وأمر برفع المصاحف على أسنة الرماح، وفي رواية أخرى يقولون أن المقترح برمته كان من عمرو بن العاص داهية العرب، وهذا شبيه بما حدث وقت الاستفتاء من الإخوان والسلفيين حينما رفعوا للقوى السياسية الأخرى المصاحف على أسنة الرماح، فقالوا من قال نعم لتعديل الدستور فقد أصاب الشرع، ومن قال لا فقد نال من الشرع.

حينما رأى علي المصاحف على أسنة الرماح ولما كان من طيبة نفسه، قبل علي بتحكيم الكتاب\القرآن بينه وبين معاوية وقال: (نعم بيننا وبينكم كتاب الله، أنا أولى به منكم).

وتم الاتفاق على التحكيم وبدأ كل فريق يختار من يخرج لهذ المهمة، ولم يكن في جيش معاوية  ثمة اختلاف على من يتولّى أمر التحكيم، فاختاروا عمرو بن العاص رضي الله عنه، والذي كان بمثابة الوزير الأول لمعاوية، أما جيش علي لما عرض عليهم أن يخرج عبد الله بن عباس رفضوا وطالبوا بخروج أبو موسى الأشعري وبالفعل خرج أبو موسى وعمرو  في مكان في صفين ، وارتضيا على أن يتحاكما إلى كتاب الله وأن يرضى كل فريق بالحكم، فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان.

وبعد الاتفاق كان الأشعث بين قيس يقرأ الكتاب\الاتفاق على جيش علي فخرج رجل يدعى عروة بن جرير من بني ربيعة من تميم، وقال للأشعث بن قيس رضي الله عنه: أتحكمون في دين الله الرجال؟!

وأخذت هذه الكلمة طائفة من جيش علي، وبدأت تتحدث بها، وكان الكثير ممن ردد هذا الأمر من حفاظ القرآن الكريم، وشديدي الورع والتقوى، وممن يكثرون الصلاة بالليل والنوافل، فأخذوا هذه الكلمة وقالوا: أتحكمون في دين الله الرجال؟ وغضبوا لأمر التحكيم وقالوا: لا حكم إلا لله.

وهنا يتلقى النموذج السلفي\الأصولي مع النموذج الخوارجي، حيث أنه ثمة عامل مشترك بينهم، أنهم كثيري الصلاة، حفاظ لكتاب الله، ويرفعون سيف إن الحكم إلا لله في وجه من يخالفهم.

وصل عدد الخوارج عند وصول جيش علي إلى الكوفة إلى حوالى اثنتي عشر ألفاً وكان من بينهم ثمانية ألالاف  يسمون القراء وكان غالبيتهم من قرية "حروراء" وكانوا شديدي الرفض لقضية التحكيم وكانوا يرونها تفريطاً في شرع الله من جانب علي أمير المؤمنين.

ولما بلغ أمرهم ذروته وضاق صدر علي بهم ذهب إليهم ليحاورهم، والمحاورة غاية في الأهمية لذلك أنقل جزءاً كبيراً منها:

قال علي بن أبي طالب لهم: ماذا تأخذون علينا؟

قالوا: انسلخت من اسم سماك الله به -يقصدون اسم أمير المؤمنين- ثم انطلقت، فحكّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.

وهنا يلتقى النموذج السلفي مرة أخرى مع نموذج الخوارج في الإعلاء من قيمة النص بغض النظر عن السياق النصوصي والسياق التاريخي الوراد فيه النص، إنه ذات الجمود الذي نعانى منه في اللجنة التأسيسية من سلفيين يرفضون كلمة السيادة للشعب لأنهم يرون أنه لا سيادة إلا الله وهو ذات منطق الخوارج في عبارة لا حكم إلا لله.

فقال علي لا يدخل علي إلا من يحمل\يحفظ القرآن، فدخل عليه ثمانية الألاف، فأمسك بالمصحف وأخذ

يهزه، فقالوا له: ما تفعل؟، فقال: إنى أسأله (يقصد المصحف)، فقالوا له: إنما هو مداد في ورق.

وهنا أوقعهم علي في المناظرة لأنهم اعترفوا أن القرآن لا ينطلق بلسانه إنما كما قال علي: هو كتاب مسطور بين دفتي ينطق به الرجال.

وراح علي يسرد لهم الأمثلة على ماورد في كتاب الله ومن فعل الرسول لكنهم لم يرتدعوا ولم يعودوا عما في رؤوسهم وكان الدافع وراء ذلك نوايا طيبة هى الإعلاء من شأن كتاب الله، وهى نقطة التقاء أخرى بين النموذجين، فأنا لا أشكك في نوايا السلفيين في حبهم للكتاب والإعلاء من قيمته ولكنهم يعلون منه على طريقة الخوارج.

ودخل عبد الله بن عباس طرفاً في المناظرة، وعاد من الخوارج خلق كثير، ربما يقدرون بأربعة الألاف، وبقى بعضهم على عنادهم، واستمر علي في إرسال الرسل لهم لمحاورتهم، لكنهم أبوا إلا تحكيم كتاب الله.

قرب عقد المجلس الذي سوف يتم فيه التحكيم، بدأ هؤلاء يتعرضون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بما لا يليق، وخرجوا عن دائرة النقاش المهذب، وبدءوا بالسباب، والشتائم، وعلي رضي الله عنه يصبر عليهم، ويردّ عليهم بالتي هي أحسن تجنبًا للفتن، واستمرّ الوضع هكذا يزداد يومًا بعد يوم.

وهنا يشترك السلفيون\الأصوليون مع الخوارج في نقطة أخرى وهى استخدام السباب والشتائم ضد المخالفين رغم ماهم عليهم من الورع والتقوى في أقل شئ من حدود الله إلا أنهم يستحلون عرض المخالف لهم.

حتى قام له رجل منهم، وهو يخطب فقال له: يا علي أشركت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله

وتنادوا من كل جانب: لا حكم إلا لله

فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه كلمة حق أًريد بها باطل.

ثم بدءوا يعرّضون بتكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقابله رجلٌ منهم يومًا وقال له: يا علي لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.

وهنا نقطة التقاء أخرى، فبعد السب والتخوين والشتائم، ينتقل الخارجي\السلفي إلى دائرة التكفير طالما لم

يرجع المخالف عن فكره، ويحتمى هنا بسيف حكم الله في يده ويقول ما أردت إلا كتاب الله.

إذن يمكننا عبر السرد التاريخي لقصة نشوء الخوارج، وعبر استدعاء النموذج المعرفي لهم من وقت نشوب الثورة ضد عثمان حتى الآن، أنهم أهل تقوى وصلاح شديدو الورع في حدود الله يحفظون كتاب الله ويجدون في الصلاة والصيام والقيام، يريدون حكم الله كما يفهمونه هم لا كم يفهمه غيرهم، ويلجأون مع غيرهم هذا بالحوار أولاً ثم الشتائم ثانية ثم التكفير ثم القتال في الأخير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ”.

المصادر:

المنتظم في تاريخ الملوك والامم، ابن الجوزي

فجر الإسلام، أحمد أمين

العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب.

مجموعة مقالات متفرقة عن العهد الأموي. 


Share/Bookmark

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

محاولة لفهم الصراع حول الشريعة

02_11_2012_70464697580_407638

على الأقل في فترة قصيرة جدًا قد تناهت إلى مسامعك كلمة “الشريعة” ربما مرة أو اثنين أو أكثر في اليوم الواحد. صراع في الاستفتاء على تطبيق الشريعة وآليات تأخذك إلى الجنة بينما أخرى تلقى بك في جحيم النار. الفيصل بين الجنة والنار آنذاك كان الالتحاق بركب التيار المنادى بتطبيق الشريعة، بينما  الخسران المبين في اتباع سبيل العلمانيين الذين يرفضون تطبيقها بهذا الشكل.

من هنا أضحت الشريعة فيصلاً يفرق بين أيدولوجتين إحداهما تنادى بتطبيقها والأخرى تحذر منها، ونشب صراع كبير حول “الشريعة” وغزتْ الكلمة كل وسائل الإعلام بكثرة منذ الاستفتاء وحتى الصراع حول الدستور في الجمعية التأسيسية.

وفي محاولة للولوج إلى أصل الصراع ينبغي علينا أن ندرك ماهى الشريعة وماهى حدودها وكيف ينادى بها أناس إلى حد تكفير الآخرين وكيف يرفضها أناس إلى حد تجهيل الآخرين وكلاهما يزعم الانتماء إلى ذات الدين.

ينقسم الدين الإسلامي إلى شطرين أولهما العقيدة وثانيهما الشريعة. وتحت هذين العنوانين عناوين كثيرة وتفاصيل لا حد لها سنعرض لبعضها لاحقا.

العقيدة هى أصل الدين، هى الإيمان الذى وقر في القلب، والإيمان بمعنى التصديق، أي أنك مصدق بالله ورسله وملائكته وكتبه، وهنا اختلافات كثيرة حول مدى التصديق هل يكفى فقط بالقلب أم يجب أن يتابعه العمل على خلاف كبير بين الفرق الإسلامية.

والعقيدة تقسم إلى إلهيات (صفات الله)  ونبوات وسمعيات (غيبيات)، وهذا تقسيم المعتزلة والأشاعرة والماتردية بينما يختلف الأصوليون في هذا التقسيم ويقولون بالنص القائل أن العقيدة إيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته والقدر خيره وشره، وكتب الأصوليين مقسمة بحسب هذا الترتيب.

والمفترض أن كل المسلمين يؤمنون بعقيدة واحدة في الله وكتبه ورسله وقدره، لكن نتيجة لظروف تاريخية عدة يغلب عليها الطابع السياسي لا سيما في العهد الأموي، انقسم المسلمون في الاعتقاد إلى فرق إسلامية عديدة وكان لكل منها قول في صفات الله وفي القدر.

والاعتقاد محله القلب، لا إكراه فيه، ولا وصاية لأحد على أحد فيه، غير أن هذه العبارة بتلك البساطة غير متفق عليها أيضاً بين الفرق الإسلامية، ففي سياق التاريخ الإسلامي أجبر المسلمون على اعتناق عقيدة الحاكم ونال المخالفين من التعذيب والقتل الشئ الكثير لمجرد اختلافهم مع الحاكم في الاعتقاد مما أدى إلى اختلاف سياسي هدد كرسي الحاكم، أبرز تلك الحوادث ما كان فيما سمي بفتنة خلق القرآن.

مصادر التلقى في الاعتقاد:

أما من جهة الاستدلال على تلك المباحث فالمعتزلة مثلا يقدمون العقل في الإلهيات والنبوات والسمعيات يقول القاضى عبد الجبار متحدثاً عن طبقات الاستدلال عند المعتزلة (الدلالة أربعة : حجة العقل ، والكتاب ، والسنة ، والإجماع ومعرفة الله لا تنال إلا بالعقل).

بينما يخالفهم أهل الحديث في هذا الترتيب ويقولون بتقديم الكتاب ثم السنة في أمور الاعتقاد ويجوزون الاستدلال بأحاديث الآحاد (بخلاف الحديث المتواتر، حديث يحتمل الشك لقلة رواته في طبقة ما) في العقيدة ويزعمون أنها تفيد العلم على خلاف أهل الرأي الذين يقولون أن أحاديث الآحاد تفيد الظن. بمعنى أن أهل الحديث في أمور الاعتقاد يحتمون بمظلة النصوص ولا مكان للعقل إلا من جهة موافقته للنص أما حين يقع التعارض فإن النقل مقدم على العقل بلا شك.

الشريعة:

الشريعة تنشطر أيضاً إلى قسمين عبادات ومعاملات، والعبادات توقيفية بمعنى أنه لا زيادة فيها ولا نقصان عما ورد في النص القرآني أو النص المفسر له (الحديث) كالصلاة والصيام والزكاة، وثمة صراع حول تلك النقطة بين الصوفية والسلفية في استحداث طقوس يعتبرها السلفيون عبادات ولذا يرفضونها ويبدعون أصحابها بينما يرى الصوفية أنها من قبيل السنة الحسنة كما ورد في النص الشارح (الحديث) على لسان الرسول.

المعاملات ويقصد بها ما ينظم العلاقة بين الناس في شئون حياتهم وتنقسم إلى أحكام الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق وما إلى ذلك، أحكام المعاملات المالية كالبيع والإجارة والرهن وغير ذلك، أحكام غير المسلمين في الدولة الإسلامية، أحكام الجنايات، وغير ذلك مما يندرج تحت مظلة ما يسمى بالقانون المدني العام والخاص بتعبيرات العصر.

مصادر التلقى:

ويقصد هنا بمصادر التلقى المصادر التى عنها يأخذ المسلمون تلك الاحكام، وهنا انقسام كبير بين المسلمين مثلما هم دائما منقسمون مثلما رأيت في ثنايا الشرح المبسط أعلاه، وهذا القسم يختص به علماء أصول الفقه.

اختلف العلماء في مصادر التلقى بالنسبة للأحكام فمنهم من قال القرآن والسنة والإجماع والقياس، ومنهم من زاد وقال الاستحسان وزاد آخر وقال فعل الصحابي ما لم يخالف غيره ومنهم من قال فعل أهل المدينة ويمكن الرجوع إلى منشأ الخلاف وكيف تطور بين أهل الرأي والحديث في بحث الدكتور نصر أبو زيد المسمى (الإمام الشافعي وتأسيس الأيدولوجية الوسطية).

ومن ثم لا يتفق علماء الأصول فيما بينهم على مصادر التلقى فمنهم من يقدم العقل عموما على كل نقل كالمعتزلة ومنهم من يقدم الرأي (العقل) على السنة باعتبارها نصا شارحاً وليست وحيا كالأحناف مثلاً ومنهم من يأخذ الترتيب السالف في أول هذا القسم باعتباره الأصح وهم عموم أهل الحديث.

وكلما تقدمت بك قراءتك ستتعثر في اختلافات كثيرة بين علماء الأصول في مسائل القياس والاستحسان وعمل الصحابة وعمل أهل المدينة وغير ذلك من الأدلة التى جاءت لتوسيع دائرة النص من جهة ولتعطيل العقل من جهة أخرى.

الشريعة والتطبيق:  

إذا نحينا العبادات جانباً باعتبار أنها توقيفية ومحلها القلب شأنها شأن الاعتقاد، وهذا افتراض مثالي فالأصوليون مثلا يرون فرض الصلاة على كل من يعتنق الإسلام ويعاقب إذا ترك الصلاة وتسيّر جماعات تأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر!

وعلى هذا فإن الشريعة\الاحكام هى محل النزاع بين الطرفين المتشتبكين في مصر، أو بتعبير أدق الصراع هنا ناشبُ بين القانون المدني وما يجوز أن نطلق عليه القانون الديني أو المستمد من نص ديني.

ولكن ثمة مشكلة أخرى يقودنا إليها مصطلح القانون الديني، فعلماء الشريعة متفقون فيما بينهم على عدم جواز تقنين الشريعة، بمعنى ألا تخرج في صورة قوانين كما هو الحال في القانون المدني، وإنما تظل على حالها الذي يزعمون أنها عليه منذ 1400 سنة ويظل القاضى الشرعي هو المنوط به الفصل في المنازعات وليس القاضى المدني، ويلزم للقاضى الشرعي بالضرورة أن يكون فقيها (رجل دين). (!)

لنعد مرة أخرى إلى أصل الخلاف بين الطرفين حول الشريعة، ولنتحدث بتفصيل أكثر حول الأحكام، فالقانون المدني مثلا يأخذ أحكام الأحوال الشخصية كما هى من الشريعة دون زيادة أو نقصان، وفي أحكام البيوع نتيجة لتغير الزمان والمكان اختلفت تلك الاحكام بالضرورة وليس عمداً.

لكن الخلاف الأكبر بين الطرفين حول الحدود (العقوبات) ومعاملة غير المسلمين في الدولة الإسلامية (المواطنة)، ففريق يعلى من شأن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بحيث يصبح حاكماً للدستور وفريقاً يعلى من شأن النصوص الدينية على اختلاف دلالتها لتكون حاكمة للدستور.

وحسما لهذا الخلاف قطعت المحكمة الدستورية بأن الشريعة الإسلامية المقصودة في المادة الثانية هى الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهذا ربما يكون نادراً جدا في الشريعة الإسلامية، إذ النصوص قطعية الثبوت تبقى القرآن فقط وبضعة أحاديث نبوية متواترة، ومن جهة الدلالة فإن القرآن فيه محكم ومتشابه، والمحكم نادر أيضاً مقارنة بالمتشابه الذى هو محل نزاع بين الفرق الإسلامية منذ قرون.

وذلك لأن عقول الناس تتفاوت في فهم آيات القرآن وتختلف وتتصارع وتتناقض في فهم الآية الواحدة فكيف نفض ذاك النزاع حول فهم وتفسير الآيات؟ ومن يحكم بصواب رأي او بخطأ آخر؟ هل كما يقول الأصوليون يفض الإمام\ ولى الامر النزاع؟ بمعنى أن تصبح سلطة التشريع في النهاية في يد الحاكم الذي يملك السلطة التنفيذية والقضائية باعتباره ولى الأمر؟

أفهم من هذا أن الغرض من الضجيج الدائر من الإسلامويين هو توسيع دائرة نفوذ الحاكم والتوسع في سلطاته بحيث يسيطر على السلطات الثلاث، والتوسع في دائرة النصوص بحيث نصبح خاضعين في كل أمور الحياة للنصوص التى عفا على تفسيراتها الزمن بحيث لم تعد صالحة لا للزمان ولا للمكان.

كيف نفض الاشتباك؟

تنقسم الشريعة من جهة أخرى إلى وسائل ومقاصد، والمقصد هو الغاية بعنى أن غاية الشريعة تحقيق  العدل مثلا فيكون العدل مقصداً من مقاصد الشريعة، والوسائل التى هى الطرق التى نصّ\أرشد إليها الشارع\الله هى الطريق للوصول إلى تلك المقاصد.

ويظهر من هذا التقسيم أن المقاصد فوق الوسائل لأنها غاية الدين، يقول أهل التنوير إنه مادام المقاصد فوق الوسائل وأن الدين حثنا على الوصول إليها فإن الوصول إليها من أي طريق كان هو صحيح عقلاً وشرعاً.

يقول الإمامُ ابنُ القَيِّم: "إنَّ الشريعةَ مبناها وأساسُها على الحِكَم ومصالِح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصالِحُ كلُّها، وحكمةٌ كلها، فكلُّ مسألة خرجتْ عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضِدِّها، وعن المصلحةِ إلى المفْسَدَةِ، وعن الحِكْمة إلى العَبَث، فلَيْسَتْ من الشريعة، وإن أُدْخِلَتْ فيها بالتأويل”.

ومن ثم فإن تشريع قوانين للعقوبات\الحدود ملائم للزمان، وسن تشريعات تحفظ لغير المسلمين حقوق المواطنة، إذا حافظت على مقاصد الدين التى أهمها العدل (وضعه المعتزلة بعد التوحيد في أصولهم للاعتقاد) فإن هذا لا يخالف الشريعة ويخرجنا من براثن الخلاف إلى ساحة اتفاق أرحب.


Share/Bookmark