الجمعة، 15 يناير 2010

الكنيسة والدولة !!

الكنيسة والدولة
بقلم/ محمد أبو العزم
في أعقاب جريمة نجع حمادى نُصبت سرادقات اللطم والنواح والعويل في جرائد الملياردير القبطي المعروف ،التي توصم زوراً وبهتاناً بالجرائد الخاصة والمستقلة ، وراح البعض يندد والآخر يشجب وثالث يستنكر ويدين ، لكن الملفت محاولة البعض إلصاق التهمة بالإسلام والإسلاميين ، بالرغم من كون مرتكبي الجريمة مسجلين خطر من أرباب السوابق ، ولم يعرف عنهم التدين ، ولا تربطهم علاقة بالمتدينين من قريب ولا من بعيد . والذي زاد من دهشتي واستغرابي ردة فعل البعض الذي حاول سوق المبررات والدفاعات لتبرئة الإسلام من تلك الجريمة البشعة ، فنحن لسنا بحاجة للدفاع عن الإسلام في كل جريمة ترتكب في حق المسيحيين ، فموقف الشريعة الغراء معروف وواضح من مقتل الذميين ، ولا نحتاج إلى تقديم عريضة دعوة تحوى دفاعاً عن الإسلام في كل جريمة جنائية .
الذين حاولوا سوق المبررات كانوا الأكثر اعتدالاً بين كل من تناول الموضوع ، ذلك أن البعض راح ينوح على الوحدة الوطنية ، وثاني راح يذكرنا بالمواقف الوطنية الجليلة للأشقاء في الوطن ، وآخر يضع يده على قلبه في كل عيد ميلاد خشية وقوع هجمات على المسيحيين مصوراً الوضع في مصر كما لو كان في الصومال . الأمر الذي يخدم أهداف أقباط المهجر بحالٍ من الأحوال في محاولاتهم الرامية لتصوير الوضع بالاضطهاد الديني للأقلية .

ثم الانتقال من سرادقات اللطم والنواح إلى سرادقات الاستقواء بالغرب والتهديد باللجوء للقضاء الدولي ، فهذا مستشار الكنيسة المصرية يعقد مؤتمراً يهدد فيه باللجوء للقضاء الدولي ، ويلوح للنظام السياسي بورقة أمريكا في يدٍ أخرى ،ويطالب بعزل كلاً من وزير الداخلية ومحافظ قنا - المسيحي - لتقصيرهم في حماية المسيحيين يوم عيدهم .

ولم يكن مستغرباً أن يستغل العلمانيون الأجواء المحتقنة للاصطياد في الماء العكر ، فهذه فرصة ينبغى ألا يفوتوها ، فكتب أحدهم عن أسباب الحادث ودوافعه والذي تحاشى فيها الحديث عن جريمة فرشوط ، وانبرى ليقدم لنا تصور جديد تفتق عنه ذهنه وهو أن السلفية الوهابية مدعومة من الأمن السياسي هي السبب الرئيس في الحادث ، إذ أن الفكر السلفي ينشر أفكاره الذي تقدم الأقباط كمواطنين درجة ثانية ، ولاتجوّز تولى المسيحي الحكم في بلد ذات أغلبية مسلمة ! . ولم يفوت الفرصة للنيل من النقاب واللحية وتحكيم الشريعة . ثم تمادى في غيه وصوّر لنا التطرف القبطي بأنه رد فعل للتطرف الإسلامي ، وأن كل الجرائم التى تصدر من الطرف المسيحي تأتى كرد فعل على جرائم قام بها الطرف المسلم ! . كل ذلك بالرغم من الغموض الذي يحيط بالجريمة إلا الأن ، والذي قدمت روايات عديدة لأجل كشف هذا الغموض ، ومنها رواية تورط أعضاء من الحزب الوطني في التحريض على الجريمة .

الذي دفع أحمد عز للنزول من برجه العاجي ليذهب إلى نجع حمادي لتقديم فروض الولاء والطاعة في كاتدرائية نجع حمادي ، والذي سبقها زيارة العديد من قيادات الوطني للكاتدرائية لمحاولة لملمة الوضع . وكذلك زيارة المحافظ للكاتدرائية لأول مرة منذ توليه منصبه ، كما أعدت نقابة المحامين وفداً لزيارة الكاتدرائية لتقديم العزاء فيمن أطلقت عليهم إحدى جرائد الملياردير القبطي الشهداء في الوقت الذي وصفت فيه مروة الشربيني بقتيلة الحجاب إبان وقوع جريمة مقتلها .

المفارقة أن تلك الجرائد صورت جريمة انتهاك عرض طفلة مسلمة على يد شاب مسيحي بأنها جريمة لاعلاقة لها بالدين - وهو واقع - ، وأن الإنحراف يطال الشباب المسلم والمسيحي ، وبالمقابل لم يعلو صوت تلك الجرائد إلا حين قام بعض المسلمين بالاعتداء على بعض ممتلكات لمسيحيين رداً على تلك الجريمة ، وقدمته للمجتمع في إطار الجرائم الطائفية !

الاختراق الكنسي المتمثل في الملياردير القبطي لتلك الصحف يثير الريبة إزاء الأهداف الكنسية في الوقت الراهن ، ذلك أن ثمة مؤشرات تنذر بقوة مفرطة للكنيسة المصرية في مجابهة الدولة المصرية . حيث أن الدولة تسيطر على الإعلام الرسمي ، وهناك شبه سيطرة للكنيسة على الإعلام المستقل . وكذلك امتلاك الكنيسة لمليشيات تظهر في مواكب استقبال البابا عند عودته من أمريكا ، وتظهر تحت مسمى الكشافة !
بالإضافة إلى الترضيات التى قُدمت لأقباط المهجر قبيل زيارة الرئيس مبارك إلى واشنطن ، وتقديم وعود بالاستجابة لمطالبهم عقب الزيارة . وكذلك التغاضى التام عن قضية وفاء قسطنطين بالرغم من تقديم بعض المسلمين بلاغات للنائب العام بشأنها . ثم إبداء التخوف من جانب الدولة المصرية حين انتشرت شائعة بشأن فرض البابا صيام ثلاثة أيام احتجاجاً على مقتل السبعة في حادث نجع حمادي . وسحب كتاب الدكتور محمد عمارة من الأسواق الذي كتبه رداً على كتاب تنصيري انتشر في الأسواق ، والذي دفع مجمع البحوث الإسلامية إلى تقديم اعتذار يبدى فيه إيمانه الشديد بالعقيدة المسيحية ! .

التهديد المستمر من البابا بالاعتصام في الدير عند وقوع أي أزمة والذي يدفع الدولة إلى الرضوخ التام لمطالب البابا يزيد من تلك الشكوك حول قوة البابا في التأثير على النظام في مصر ، ومدى قوة الكنيسة في تغيير القرارات السياسية ، كل تلك المؤشرات تلوح على قارعة الحياة السياسية طارحة سؤالاً .. هل باتت الكنيسة دولة أقوى من الدولة ؟ .

Share/Bookmark

0 التعليقات:

إرسال تعليق